الجزيرة.نت - 11/13/2024 9:51:23 AM - GMT (+3 )
بنغازي- قبل عاصفة دانيال التي ضربت شرقي ليبيا في سبتمبر/أيلول 2023، كان الحديث عن التغيّر المناخي في ليبيا وتأثيراته الكارثية يقتصر على تحذيرات متفرقة صادرة عن ذوي الشأن والمهتمين، وفي أغلب الأحيان لم يكن يهتم بها إلا من هم في دائرة المختصين والأكاديميين المطلعين.
لكن ما تكبدته درنة ومدن الشرق من خسائر جسيمة، علاوة على الفيضانات والسيول الجارفة التي حوَّلت صحارى الجنوب الغربي القاحلة إلى برك مائية؛ لفت أنظار الكثيرين إلى خطورة هذا الأمر، وإلى التغيرات التي تستلزم تحركات جدية وعاجلة، فالصحراء تمثل 95% من مساحة الأراضي الليبية التي تقرب من مليون و759 ألف كيلومتر مربع، ويشكل التصحر أحد أكثر التحديات المناخية إلحاحا.
أسباب ومظاهريلخص أستاذ البيئة النباتية في جامعة بنغازي طارق المقصبي مظاهر التصحر والتغير المُناخي وأسبابه؛ في نقاط ثلاث:
- انحسار موسم الأمطار وتراجع كميات الهطول السنوية، حيث كان الموسم في السابق يمتد من أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول حتى أواخر شهر مارس/آذار، لكنه في السنوات الثلاثين الماضية اقتصر تقريبا على شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني.
- التناقص الكبير في كميات الهطول السنوية؛ إذ أصبحت لا تتعدى 400 ملم سنويا من الأمطار، باستثناء ما حملته العاصفة دانيال من معدلات غير اعتيادية من الأمطار.
- ارتفاع درجات الحرارة بصورة ملموسة، ففي السنوات الأخيرة سجلت ليبيا أعلى متوسط شهري للحرارة.
وأضاف المقصبي في حديثه للجزيرة نت أن العوامل الثلاثة أثرت مباشرة على الغطاء النباتي في ساحل ليبيا، وأدت إلى اختفاء أنواع نباتات برية كثيرة من سواحل بنغازي.
بدوره يرى أستاذ هندسة الموارد المائية وإدارتها في جامعة بنغازي صلاح بوعوينة، أن نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة من أبرز التحديات البيئية التي أدّت إلى تراجع المناطق المزروعة، خصوصا في مدينة بنغازي؛ إذ يشكل هذان العاملان ضغطا شديدا على الحياة النباتية، مما يجعل من الصعب على النباتات مقاومة الجفاف ودرجات الحرارة المتزايدة.
وإلى جانب التصحر؛ أدى التغير المناخي إلى تعميق أزمة ندرة المياه في ليبيا، بحسب بوعوينة، وقلل انخفاض معدلات هطول الأمطار السنوية من كميات المياه السطحية والجوفية، كما تسبب تغير توقيت الأمطار في فقدان التناسق مع مواسم الزراعة، وهو ما أضرَّ بالنباتات ودفع إلى الاعتماد على الري الاصطناعي.
التنمية العمرانيةوفي مقابل التصحر ونقص الموارد المائية، تتسارع وتيرة مشاريع إعادة الإعمار في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، مستهدفة تعشيب المسطحات الخضراء والحدائق في مدينة بنغازي وتأهيلها، ليبرز السؤال عن مدى ملاءمة هذه المشاريع لطبيعة المدينة المُناخية، وإن كانت كافية للتصدي للتصحر وتحسين المناخ؟
يعتبر أستاذ البيئة النباتية طارق المقصبي أن عمليات إعادة تشجير الحدائق وتعشيبها التي تنفذها لجان مؤقتة "غير كافية"، ويقول إن التغير المناخي المتطرف في ليبيا يستوجب التوصل إلى مشروع وطني طويل الأمد، يرفع مستوى الوعي البيئي لدى المواطنين، ويفعّل دورهم في مواجهة ظاهرة التصحر، إضافة لأهمية مبادرات تربية النشء على حب البيئة والمحافظة على المساحات الخضراء.
كما يؤكد المهندس معاذ مهاني العضو السابق في مجلس شباب ليبيا لتغير المناخ، أن البعد البيئي مرتبط بالتنمية العمرانية، إذ رصد مهاني غياب رؤية متكاملة في مشاريع التطوير العمراني والبنية التحتية لمكافحة التصحر، والتوجه نحو البيئة المستدامة، فالمشاريع في مدينتي طرابلس وبنغازي تبدو منفصلة وفردية، ولا تتبنى أي نهج شامل يهدف إلى تعزيز الاستدامة البيئية، أو مواجهة التحديات المناخية، على حدّ قوله.
ولفت مهاني في حديثهِ للجزيرة نت إلى أن غالبية المشاريع الحالية لا تعتمد على مواد بناء صديقة للبيئة يمكن أن تسهم في تقليل استهلاك الطاقة، مثل استخدام الطوب الرملي، أو الأسقف العازلة، أو النوافذ المزدوجة التي تحد من تسرب الحرارة.
يُذكر أن الجزيرة نت حاولت التواصل مع المكتب الإعلامي ومع المدير التنفيذي لصندوق إعادة إعمار ليبيا، لكن لم تحصل على أيّ رد.
التكيف مع المناخ
أكدت الباحثة الجيولوجية والناشطة البيئية في منظمة "ليكاو" ياسمين الأحمر افتقار ليبيا للسياسات والخطط الإستراتيجية الرامية إلى التكيف مع تغير المناخ رغم توقيعها على كثير من الاتفاقيات الدولية.
ودعت الأحمر خلال حديثها مع الجزيرة نت إلى تحديد المناطق الأكثر هشاشة وضعفا، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة باستخدام نظم المعلومات الجغرافية؛ لدعم عملية اتخاذ القرار، وتمكين الباحثين من تطوير حلول فعالة، وأضافت أنه "يتعين على الحكومتين أن تلعبَا دورا فاعلا في المفاوضات المناخية للدفع بالمشاريع المعنية بالتكيف مع التغيرات المناخية".
ولمنع تفاقم الأزمة؛ تقترح الأحمر بعض الحلول لبيئة أكثر استدامة:
- تحقيق استدامة الموارد المائية من خلال استخدام تقنيات حصاد المياه، مثل إنشاء الخزانات والسدود الصغيرة؛ لتخزين مياه الأمطار وتقليل الفيضانات، وتطبيق نظم الري الحديث مثل الري بالتنقيط؛ لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة.
- حماية الأحواض المائية والموارد الجوفية من الاستنزاف، وإعادة تأهيل التربة المتدهورة، واستخدام الممارسات الزراعية التي تعزز التنوع البيولوجي، مثل المحاصيل المغطاة.
- حماية المناطق الساحلية من تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر، من خلال بناء حواجز بحرية طبيعية، مثل زراعة أشجار المانغروف، التي تساعد في تقليل قوة الأمواج ومنع التآكل.
- تحسين التخطيط العمراني في المناطق الساحلية، والابتعاد عن النقاط الأكثر عرضة للخطر.
- إنشاء نُظم إنذار مبكرة لتعزيز القدرة على التنبؤ بالمخاطر الطبيعية، مثل العواصف المدارية والفيضانات.
يعتبر عضو منظمة إدامة وعضو الاتحاد الدولي لصون الطبيعة "آي يو سي إن" (IUCN) أبو بكر المنصوري، أن هناك "قصورا كبيرا" في سنّ التشريعات اللازمة لحماية الغطاء النباتي وما يضمّه من حياة برية متنوعة.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن نقص الوعي البيئي، وشحّ الدعم الفني والمادي لتنفيذ الأنشطة والبرامج، يُعدّان أبرز التحديات التي تعيق عملهم، ولفت إلى أن رفع الوعي البيئي يكون من خلال تشجيع السياحة البيئية، وإشراك الشباب في البرامج المعنية بالطبيعة، وشرح طرق الحياة البرية والزراعة المستدامة.
ولخص المنصوري الخطوات الواجب اتباعها بتبني حوار مجتمعي واسع هدفه إدماج البعد البيئي في السياسات العامة، ودعم المنظمات المعنية بالحفاظ على البيئة والمهتمة برصد التغير المناخي، بالإضافة إلى التصدي للقطع الجائر للأشجار وصيد الحيوانات المهددة بالانقراض، ومنع الرعي الجائر والتحطيب غير الشرعي في الغابات.
مبادرات شبابيةيركز المدير التنفيذي لمنظمة "ليكاو" الزبير البركي على أهمية إشراك الشباب في قيادة مبادرات التغير المناخي، مؤكدا أن المنظمة رصدت انتشارا واسعًا لحملات التوعية والمبادرات الشبابية في مجال حماية البيئة عبر فضاء منصات التواصل الاجتماعي، وإقبال شريحة كبيرة منهم على المشاركة في الأنشطة البيئية، فضلا عن توجه بعضهم إلى دراسة التخصصات البيئية والبحث في حلول لمشكلة تغير المناخ.
وأضاف البركي أن الانقسام السياسي يحول دون اعتماد خطة موحدة طويلة الأمد لمكافحة التغير المناخي، مستدركا بالقول "على الرغم من ذلك، يمكننا القول إن الشباب الليبي قادر على إحداث فارق جوهري في قضايا التغير المناخي، إذا تمكنت الحكومتان من تنظيم برامج تدريب وتقديم منح دراسية لدراسة التخصصات البيئية، والعمل على ربط الشباب بالمنظمات البيئية الدولية، وتقديم الدعم المالي لهم".
وعن دور الأنشطة التطوعية والمسؤولية المجتمعية، يُشير مسؤول حملة تشجير مدينة بنغازي منير القويري أن الحملة انطلقت عام 2019 بعد رصد النقص في انتشار الأشجار على نطاق المدينة، وتم عقد مشاورات مكثفة مع بلدية بنغازي، ومكتب الزراعة، ومكتب التخطيط العمراني، للبدء في الحملة التي تهدف إلى تعزيز قدرة المدينة على التكيف مع التغيرات المناخية لا سيما ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى إضفاء مظهر جمالي على الشوارع.
كما تحدث فايز ساطي رئيس منظمة "من الأرض إلى البحر" أنهم يعملون بالتعاون مع مختصين على اختيار أنواع محددة من الأشجار تتناسب مع مناخ المدينة، وتتحمل درجات الحرارة العالية وقلة الري والملوحة، وقد تمكنت المنظمة على مدار 4 أعوام من غرس 500 شجرة في معظم أنحاء مدينة بنغازي.
إقرأ المزيد