الجزيرة.نت - 10/27/2025 9:45:55 AM - GMT (+3 )
السريان من أقدم الطوائف المسيحية، وتقول المصادر التاريخية إنهم أول شعب وثني اعتنق المسيحية منذ السنوات الأولى لظهورها. انتشر السريان بشكل أساسي في الشام والعراق والهند، إضافة إلى عدد من الدول الأخرى، ولهم وجود تاريخي وثقافي في القدس.
يعود تاريخ وجود أسقفية أرثوذكسية للسريان في المدينة المقدسة إلى عام 1471، ولهم فيها مراكز دينية مهمة مثل دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس، إضافة إلى كنيسة سريانية كاثوليكية.
أصول السريانتعود أصول السريان إلى الآراميين، نسبة إلى آرام، الابن الخامس لسام بن نوح، وهو الجد الأعلى لجميع الشعوب السامية، وهم أقدم الطوائف المسيحية.
أطلق المؤرخون اليونانيون على الآراميين مصطلح السريان بعد أن تركوا عبادة الأوثان واعتنقوا الديانة المسيحية في القرن الأول والثاني للميلاد، وقد وُجدوا بسوريا الكبرى وصولا إلى الأناضول، وأسسوا كنائس لا تزال قائمة، وخصوصا في سوريا.
انطلق الآراميون من الصحراء السورية إلى أعالي ما بين النهرين، واستقروا في البداية في حران، وأسسوا ممالك مستقلة غير موحدة دخلت في صراع مرير مع الأشوريين وغيرهم من الشعوب.
ورغم الانتصار العسكري للآشوريين عليهم، فإن النفوذ الثقافي والحضاري للآراميين ظل قويا في الممالك التي صمدت، وكان لها دور كبير في تاريخ المنطقة قبيل سقوطها في القرن الثاني والثالث بعد الميلاد، مثل "مملكة الرها" (تركيا)، و"مملكة تدمر" (سوريا)، و"مملكة الأنباط" (الأردن).
تقول بعض المصادر المسيحية إن السريان تخلوا عن اسمهم القديم "الآراميين"، لأنه كان يذكّرهم بوثنيتهم، وصارت اللغة الآرامية تعرف بـ"اللغة السريانية"، وأصبحت لفظة "السريان" هي المفضلة لمن اعتنق المسيحية، وذلك للتفريق بينهم وبين الآراميين الوثنيين.
اللغة السُريانية لغة سامية مشتقة من اللغة الآرامية، نشأت في الألف الأولى قبل الميلاد، وكانت العائلة الثالثة ضمن عائلة اللغات السامية، وأصبحت من القرن السادس قبل الميلاد لغة التخاطب الوحيدة في الهلال الخصيب واستمرت كذلك إلى ما بعد الميلاد، ثم تحورت تدريجيا واكتسبت اسمها الجديد "اللغة السريانية" في القرن الرابع تزامنا مع انتشار المسيحية في بلاد الشام.
إعلان
والسريانية هي اللغة الأم لطوائف الآشوريون والسريان والكلدانيين، وقد انتشرت في العراق وسوريا خاصة.
تكتب اللغة السريانية بالأبجدية السريانية المؤلفة من 22 حرفا، وتستخدم حركات إعرابية تختلف بين السريانية الغربية والسريانية الشرقية، أشهرها 5 حركات تفيد في المد والقصر وحروف العلة.
وتكتب اللغة السريانية من اليمين إلى اليسار ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها، وسادت بين معظم شعوب الشرق حتى أواخر القرن السابع للميلاد، ثم أخذت اللغة العربية تحل محلها.
ولكن لهجاتها ظلت متداولة، وقد تسرب كثير من مفردات وقواعد اللغة الآرامية/السريانية إلى اللغة العربية المحكية، وشاعت في بعض اللهجات العربية المتداولة في المدن الفلسطينية.
الوجود السرياني بالقدستعود بدايات الوجود السرياني في القدس إلى القرن الأول والثاني الميلادي، واستمروا فيها قرونا، لكن معظمهم أتوا إليها في بدايات القرن العشرين من تركيا، خاصة من منطقة طور عابدين (هضبة جنوب شرق تركيا)، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في حين توافد سريان آخرون إلى فلسطين حجاجا واستقروا فيها بالقرب من الأماكن المقدسة.
انطلقت المسيحية من الأراضي المقدسة، وأصبحت السريانية لغتها، لأن المسيح عليه السلام كان يتحدث بها.
وتوجد أسقفية للسريان الأرثوذكس في المدينة المقدسة منذ عام 1471، كما أن السريان ثالث طائفة من حيث العدد بعد الروم واللاتين في فلسطين، إذ يمثلون 10% من مسيحيي الديار المقدسة.
وفي القدس 300 عائلة سريانية، وفي بيت لحم 500 عائلة أخرى. وحسب إحصاء رسمي، فإن عدد المسيحيين السريان في فلسطين يزيد على 4 آلاف نسمة.
الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في القدسالكنيسة السريانية الأرثوذكسية هي كنيسة أنطاكية أرثوذكسية مشرقية تتمركز في منطقة الشرق الأوسط، وينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم، وهي كنيسة مستقلة إداريا، لكنها مرتبطة بباقي الكنائس الأرثوذكسية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي.
يعود تاريخ الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في القدس إلى القرن الخامس، وأعيد بناؤها عام 73 للميلاد بعد تدمير القدس على يد الإمبراطور الروماني تيتوس، كما تم ترميها عبر العصور، خاصة في عهد الفرنجة.
وهي من أقدم كنائس القدس، وحسب التقاليد السريانية فإن موقع الكنيسة كان بيت القديس مرقص، وكانت مكان العشاء الأخير للمسيح مع الحواريين.
وكشفت ترميمات الكنيسة عام 1940 عن لوحة عليها نقش بالخط الآرامي يشير إلى أن الموقع قد "تحول إلى كنيسة على اسم السيدة مريم العذراء بعد صعود السيد المسيح إلى السماء".
وكانت للكنيسة السريانية في القدس أملاك وأوقاف عديدة، منها 10 أديرة لم يتبق منها سوى دير مار مرقس داخل البلدة القديمة، وهو محاط بالمستوطنات الإسرائيلية من 3 جهات.
دير مار مرقس السريانيهو دير أثري يقع داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس في حارة الشرف بين حارتي الأرمن واليهود، ويقع على بعد 20 مترا شمال شرقي كنيسة القديس توما، وهو من ممتلكات الكنيسة السريانية الأرثوذكسية.
وحسب الاعتقاد السرياني، فإن المكان الذي يقوم عليه هذا الدير شهد نزول روح القدس على تلاميذ المسيح بعد صعوده إلى السماء لحثهم على نشر الديانة المسيحية، ويعتبر عيد العنصرة -وهو اليوم الذي تقول الروايات المسيحية إنه نزل فيه روح القدس- عيدا لكافة الكنائس المسيحية.
إعلان
ويُعتقد أن الهيكل الحالي للدير يعود للفترة الصليبية، وقد اشتراه بطريرك السريان الأرثوذكس من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عام 1472، عندما زادت زيارات السريان للقدس فاحتاجوا إلى كنيسة لهم بالمدينة.
يشتمل الدير على دار لأسقفية السريان، وفيه أيضا "كنيسة العذراء"، وهي مبنية على المكان الذي تقول الروايات المسيحية إنه كان يوما بيتا للسيدة مريم العذراء.
مؤسسات السريان في القدسللسريان مؤسسات عدة في القدس منها جمعية مار مرقس، التي تأسست عام 1926 والنادي الأرثوذكسي السرياني، الذي تأسس في عشرينيات القرن العشرين، وغيرهما من المؤسسات.
كما يصدر السريان مجلة "الحكمة"، التي تهتم وتسعى لإحياء التراث السرياني، وتنشر المقالات الدينية والدراسات والأبحاث عن السريان. وصدر العدد الأول من هذه المجلة عام 1914 بدير الزعفران في تركيا، وتوقفت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم أعيد إصدارها في مدينة القدس عام 1926 في دير مار مرقس لمدة 4 سنوات، ثم توقفت مع بداية ثورة البراق، وأعاد الكاتب والصحفي السرياني الفلسطيني جاك خزمو إصدارها عام 1990.
إقرأ المزيد


