الإعمار الهاشمي.. تاريخ من الوصاية على القدس
الجزيرة.نت -

الإعمار الهاشمي في القدس مستمر منذ بدايات القرن العشرين، يهدف إلى الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتحتضنه الوصاية الهاشمية التي دعمت مشاريعه ماديا ومعنويا، وأكسبتها صفة الثبات والاستمرارية، رغم اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وعراقيله.

تاريخ الوصاية الهاشمية على القدس

عقب الحرب العالمية الأولى وما نجم عنها من احتلال بريطانيا فلسطين في مطلع القرن العشرين، أدرك المقدسيون خطورة ما يهدد المقدسات الإسلامية والمسيحية، فلجؤوا إلى الحسين بن علي، شريف مكة وأميرها آنذاك، وبايعوه على حماية المدينة ومقدساتها، فاستجاب لهم وأسس الوصاية الهاشمية.

وبعد وفاة الشريف الحسين عام 1931 ورث الوصاية ابنه الملك عبد الله الأول، الذي أولى المقدسات عناية كبيرة، وكان يزورها ويعقد الاجتماعات الرسمية فيها بشكل مستمر.

وبعد عامين من نكبة 1948 صادق البرلمان الأردني على قرار توحيد ضفتي نهر الأردن الشرقية والغربية تحت حكم الملك عبد الله الأول، بهدف دعم الدفاع عن حقوق الفلسطينيين قانونيا وسياسيا.

قُتل الملك عبد الله الأول عام 1951 داخل المسجد الأقصى المبارك، بينما كان يؤدي صلاة الجمعة، فانتقلت الوصاية الهاشمية إلى نجله الملك طلال، الذي لم تتجاوز فترة حكمه عاما واحدا، قبل أن يخلفه ابنه الملك الحسين عام 1952، مواصلا مسيرة الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس.

أقر الملك حسين بن طلال عام 1954 قانونا أردنيا يقضي بتشكيل لجنة تعنى بإعمار المسجد الأقصى المبارك، مما أضفى على رعاية المقدسات طابعا مؤسسيا دائما، وأسهم في تعزيز الهوية العربية والإسلامية للقدس عبر تنفيذ مشاريع إعمار مستدامة ودعمها ماديا ومعنويا.

وفي عام 1994 وقّعت المملكة الأردنية الهاشمية معاهدة سلام "وادي عربة" مع إسرائيل، تضمنت إنهاء الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية.

أصر الملك حسين على استمرار الوصاية الهاشمية على المقدسات وأملاك الوقف في القدس الشرقية، إذ نصت المعاهدة على أن "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس".

وبعد وفاته عام 1999 انتقلت الوصاية إلى نجله الملك عبد الله الثاني، الذي أسس عام 2007 الصندوق الهاشمي لتمويل مشاريع إعمار وصيانة المسجد الأقصى. كما أعاد التأكيد على الدور الهاشمي في القدس عبر اتفاقية وقعها عام 2013 مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حظيت باعتراف دولي وعربي.

مبادئ الوصاية الهاشمية

تنطلق الوصاية الهاشمية في بيت المقدس من أساس شرعي وتاريخي عميق، يرتبط بنسب الهاشميين إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بيّن فضل القدس وأُسري به إلى رحابها وعرج به منها إلى السماوات.

إعلان

وتشكل هذه الوصاية عهدا يستمد جذوره من مبادئ الشريف حسين بن علي، الذي أكد في مراسلاته التاريخية على ضرورة التمسك بكل شبر من أرض فلسطين وفي مقدمتها القدس، داعيا إلى حريتها وصون مقدساتها.

وجدد الملك عبد الله الثاني هذا الالتزام، مؤكدا عزمه على الاستمرار في رعاية المقدسات "على خطى الآباء والأجداد".

وتتبنى الوصاية الهاشمية مجموعة من المواقف الثابتة تجاه القدس ومقدساتها، ومن أبرزها:

  • القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
  • ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية تمثل انتهاكا للقانون الدولي.
  • السيادة على القدس الشرقية حق للشعب الفلسطيني.
  • الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية حق للهاشميين.
  • حماية القدس مسؤولية دولية مشتركة، يوجبها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
الملك حسين بن طلال يلقي خطابا احتفالا بانتهاء الإعمار الهاشمي الثالث (التراث الملكي الأردني)
الإعمار الهاشمي الأول

عقب تشكيل المجلس الإسلامي الأعلى عام 1922 بهدف حماية المقدسات في فلسطين، بادر إلى إطلاق مشروع ترميم قبة الصخرة وجمع التبرعات اللازمة له، وكان من أوائل المتبرعين الشريف الحسين بن علي، الذي قدم دعما ماليا كبيرا قدر بنحو 50 ألف ليرة ذهبية، وفق ما أوردته وزارة الخارجية الأردنية.

كلف الشريف الحسين ابنه عبد الله الأول بالإشراف المباشر على متابعة سير المشروع، ثم أسندت إليه لاحقا رئاسة المرحلة الأولى من الإعمار رسميا.

وعلى إثر نكبة 1948 تعرضت مرافق القدس لأضرار جسيمة طالت المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والبلدة القديمة، مما دفع الأردن إلى إطلاق مشاريع إصلاح واسعة شملت ترميم محراب النبي زكريا والمباني المحيطة التي ضعفت أساساتها.

وقد أسهمت في تلك الجهود عدة دول إسلامية، من بينها مصر، التي زودت عمليات الإعمار بالسيراميك اللازم لإتمام العمل.

الإعمار الهاشمي الثاني

أشرف الملك حسين بن طلال بعد توليه الحكم عام 1952 على تنفيذ مرحلة جديدة من أعمال الإعمار في المسجد الأقصى، تمثلت في تركيب صفائح الألمنيوم المذهبة على هيكل قبة الصخرة عوضا عن الرصاصية التي كانت تغطيها، خصوصا بعدما بدأت المياه تتسرب عبرها إلى الداخل.

كما شملت الأعمال ترميم الجدران الداخلية والخارجية لقبة الصخرة، وتزيين بلاطها الخارجي بآيات قرآنية من سورتي يس والإسراء.

وأصلحت اللجنة الجدران الخارجية للمصلى القبلي، وركبت نوافذ زجاجية جديدة عليه، إلى جانب استحداث بعض الأعمدة، وإعادة تبليط الأرضيات بالرخام في الأروقة الشرقية، كما رممت مرافق أخرى في المسجد من بينها قبة السلسلة وسبيل قايتباي ومسجد النساء.

أقيم احتفال رسمي في المسجد الأقصى عام 1964 بمناسبة الانتهاء من الإعمار الهاشمي الثاني، الذي بلغت تكلفته نحو 60 ألف دينار أردني (نحو 85 ألف دولار)، وشارك في دعمه عدد من الدول الإسلامية بمساهمات مالية تجاوزت 85 ألف دينار (نحو 120 ألف دولار) إضافية.

الملك عبد الله الثاني يزيح الستارة عن منبر نور الدين زنكي (التراث الملكي الأردني)
الإعمار الهاشمي الثالث/إعمار الطوارئ

أضرم اليهودي الأسترالي مايكل روهان النار في المصلى القبلي عام 1969، مما أسفر عن أضرار جسيمة طالت أجزاء واسعة من هيكله ومرافقه الداخلية.

إعلان

وشكل الملك حسين بن طلال لجنة إعمار خاصة لإصلاح الأضرار، وقاربت تكاليف أعمالها 19 مليون دينار أردني (نحو 27 مليون دولار)، ووصفها الملك بأنها "أعز الإنجازات".

هدمت اللجنة الجزء الجنوبي من المصلى القبلي وأعادت بناءه، ثم رممت العناصر الفنية، وغطت قبة المصلى بمادة الرصاص بدلا من ألواح الألمنيوم الأبيض.

كما أعادت تبليط جامع عمر في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد، وترميم محراب زكريا ومقام الأربعين.

وامتدت جهود لجنة الإعمار إلى تزويد المسجد بخدمات أساسية، تضمنت شبكة الإنارة ومعدات إطفاء الحريق، إلى جانب إصلاح مرافق عدة مثل المتحف الإسلامي ومكتبة المسجد الأقصى وقبة السلسلة.

وكان من بين أكثر العناصر تضررا جراء الحريق منبر السلطان نور الدين زنكي، الذي حمله القائد صلاح الدين الأيوبي من حلب إلى القدس عقب تحريرها من الصليبيين عام 1187.

وقد أولى الملك حسين هذا المنبر عناية خاصة، فوجه عام 1993 لجنة الإعمار إلى إعادة صناعته بدقة تاريخية عالية، بإشراف خبراء ومهندسين وفنانين من ذوي الكفاءة.

الإعمار الهاشمي الرابع

بتوجيه من الملك حسين بن طلال، نفذت لجنة الإعمار بين عامي 1990 و1994 مشروعا لإعادة تصفيح قبة الصخرة باستخدام صفائح من النّحاس والنيكل المطليَين بالذهب، وتدعيم سطحها وأساساتها، وذلك بعد أن لحقت بها أضرار جسيمة نتيجة قنابل الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب العوامل البيئية.

جانب من ترميم قبة الصخرة عام 2015 (الجزيرة)
الإعمار الهاشمي الخامس

شهد عهد الملك عبد الله الثاني الذي اعتلى العرش عام 1999 سلسلة من الإعمارات الكبرى في المسجد الأقصى، كان أبرزها إعادة صناعة المنبر الذي أوصى والده بترميمه قبل وفاته، إذ تولت نخبة من الفنانين والنجارين من حول العالم تنفيذ العمل في جامعة البلقاء التطبيقية بتكلفة بلغت نحو مليوني دينار أردني (نحو مليوني دولار). وفي عام 2007 أشرف الملك بنفسه على تركيب المنبر الجديد في موقعه الأصلي داخل المصلى القبلي.

كما نفذت لجنة الإعمار بين عامي 2003 و2008 أعمال تصفيح وصيانة لأسطح الأروقة الغربية من المسجد، إضافة إلى جامع النساء والمتحف الإسلامي، إلى جانب ترميم أجزاء من الحائط الجنوبي حيث يقع باب المغاربة، وكذلك الباب الشرقي الممتد من المتحف الإسلامي.

وفي عام 2014، استكملت الجهود بفرش مسجد قبة الصخرة والمصلى المرواني بسجاد عالي الجودة، وانخرطت في سلسلة من الإصلاحات التي شملت تحديث أنظمة الإضاءة والصوت والإنذار، وتزويد المسجد بـ3 مولدات للطاقة الكهربائية.

كما أنجزت أعمال ترميم دقيقة طالت الزخارف الفسيفسائيّة والجصّيّة في قبة الصخرة والمصلى القبلي، إلى جانب العمل على مجموعة من الأسبلة والقباب والمصاطب المنتشرة في ساحات المسجد الأقصى.

وقد تولت لجنة هندسية متخصصة مشروع ترميم المصلى المرواني الواقع أسفل سطح المسجد الأقصى، ويعود بناؤه إلى أكثر من 1300 قرن، فعملت على تدعيم جدرانه الداخلية باستخدام قضبان شد وربط لضمان استقرارها ومنع تصدعها نتيجة الرطوبة والضغط الجوفي.

وامتدت الرعاية الهاشمية في عهد الملك عبد الله الثاني إلى المقدسات المسيحية في القدس، إذ أمر لجنة الإعمار عام 2016 بترميم القبر المقدس في كنيسة القيامة، كما مول عبر الصندوق الهاشمي ترميم كنيسة الصعود في جبل الزيتون عام 2017، وقدّم عام 2018 دعما ماليا شاملا لمشروع ترميم أرضية كنيسة القيامة وبلاطها.

تحديات الإعمار الهاشمي

رغم الحاجة الماسة والمستمرة لأعمال الترميم والصيانة في المسجد الأقصى المبارك، تواجه لجنة الإعمار صعوبات كبيرة في أداء مهامها بسبب عراقيل الاحتلال الإسرائيلي، إذ يسعى إلى تقويض الدور الهاشمي وإقصائه عن إدارة شؤون المسجد عبر انتهاكات عدة، من أبرزها:

  • اعتقال موظفي لجنة الإعمار أثناء عملهم.
  • منع إدخال المواد والمعدات اللازمة للمشاريع.
  • منع إخراج مخلفات العمل من المسجد الأقصى إلى الخارج.
  • منع ترميم السور الشرقي للمسجد الأقصى.

إعلان

المصدر: الجزيرة + الصحافة الأردنية + مواقع إلكترونية



إقرأ المزيد