الجيل الغاضب يتحول لقوة انتخابية.. ما الذي تغير في العراق؟
سكاي نيوز عربية -

ويشكل الشباب دون سن 30 عاما أكثر من 70 بالمئة من سكان العراق، وهو ما يقتضي تفعيل تمثيل الشباب ودورهم السياسي والمجتمعي في الفضاء الوطني العام، بما يتسق وثقلهم الديمغرافي وحيويتهم ونهمهم للإنجاز والإسهام والمشاركة.

فهل ستفرز الانتخابات العامة في دورتها السادسة، خارطة برلمانية ومعادلات سياسية جديدة، تنصف الشباب العراقيين وتمنحهم الدور المستحق؟

هناك مؤشرات إيجابية تدل على تغير كبير ربما هذه المرة، حيث أن نحو 40 بالمئة من المرشحين في هذه الانتخابات هم تحت سن الأربعين، منهم نحو 15 بالمئة أعمارهم أقل من 35 عاما.

كما تشير الأرقام الرسمية إلى وجود ما يقارب 19 مليون ناخب شاب ضمن قائمة الناخبين، من إجمالي نحو 29 مليون ناخب مؤهل، حيث من بين قرابة 8 آلاف مرشح يتنافسون على 329 مقعدا في مجلس النواب، تكاد تشكل الفئة تحت سن الأربعين أقل بقليل من نصفهم.

وتبدو شوارع العاصمة بغداد والمدن الكبرى الأخرى مفعمة بشعارات ووجوه جديدة تحمل نكهة شبابية مختلفة. فعلى الجدران صور مرشحين بملامح شابة وابتسامات واثقة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تدور نقاشات ومواجهات حامية بين جيل ولد بعد التغيير الكبير في 2003 وجيل ما قبل التغيير.

يقول الشاب محمد عيد الله، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "في العام 2019 خرجنا إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة والتغيير، والآن نسعى لتحقيق ذلك عبر صناديق الاقتراع، خاصة وأننا الكتلة العمرية الأكبر انتخابياً، التظاهر والاحتجاج كانا البداية، والانتخاب والمشاركة هما الهدف".

هذا التحوّل من الاحتجاج والرفض إلى المشاركة الإيجابية البناءة، يشكل سمة واضحة في العديد من البرامج والخطابات الشبابية لانتخابات 2025، فبعد سنوات من خيبة الأمل والخذلان، يحاول الكثير من الشباب تحويل طاقاتهم لفعل منظم من داخل هياكل النظام السياسي نفسها. لكن الطريق ليست معبدة بالورود أمام توسيع مشاركة الشباب في الفضاء البرلماني والسياسي.

وهنا تقول الناشطة الحقوقية نوال الإبراهيم، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "اللعبة الانتخابية في العراق ما زالت تدار ضمن نطاقات القوى التقليدية وتوافقاتها، ومع ذلك فإن دخول الشباب كمترشحين ومراقبين ومنظمين يشكل علامة فارقة في المشهد السياسي الرتيب".

وأضافت: "قد لا يغير  هذا المعطى من طبيعة المشهد دفعة واحدة، لكنه يؤسس لمسار تغيير كبير وملح، ويؤثر في طبيعة النقاش العام والأجندة الوطنية المطروحة، حيث بات الآن ولحد كبير الحديث عن معايير الكفاءة والنزاهة والمواطنة أعلى صوتاً من حديث معايير الانتماء الطائفي والمذهبي". 

هذا ويمتد حضور الشباب الطاغي إلى الفضاء الإلكتروني حيث تدور المعركة الحقيقية لاستقطاب الرأي العام وصناعته، حيث آلاف الصفحات والحملات على منصات فيسبوك وإنستغرام وإكس وغيرها.

ورغم كل هذا الحماس، ثمة في المقابل حالة من الشك في أن المشاركة الشبابية ستقود لنتائج ملموسة فورية، حيث تقول الإبراهيم: "كما في كل دورة وعود وبرامج كبيرة، ثم لا شيء يتغير، ربما الفرق الآن هو أن المرشحين الشباب يشبهوننا أكثر، لكن المناخ الانتخابي والسياسي العام لا يزال هو ذاته".

وتابعت: "القصة لا تقتصر على الفوز بالمقاعد فقط، فالفوز لا يعني بالضرورة النجاح، فمن يدخل البرلمان يحتاج فريقاً وتمويلاً وحماية وتغطية سياسية، وهذه كلها مفاتيحها لا تزال بيد القوى السياسية المهيمنة تقليدياً".

مستدركة: "لكن لا شك أن صعود دور الشباب يفرض على تلك الطبقة القديمة إعادة حساباتها، فهناك جيل جديد لديه خطاب حالم وطموحات تغيير ومتابعون وصوت إعلامي عال وجذاب". 

وتتابع: "40 بالمئة من المرشحين أقل من 40 سنة، هذه النسبة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات العراقية، حتى لو لم يفز أغلبهم، فإن مجرد وجودهم ومنافستهم للكبار، يعيد تعريف وصياغة مفهوم من يحق له تمثيل الناس، والمفارقة أن الأحزاب التقليدية بدأت بزيادة ترشيح الشباب ضمن قوائمها لتبدو أكثر عصرية، ما يعني أن رمزية الشباب باتت مادة جذب وتفوق انتخابيين".

وهكذا فانتخابات العراق 2025 ليست مجرد سباق نحو البرلمان، وفق المراقبين بل اختبار لمدى قدرة جيل جديد على التغلب على كل ما يعترضه وتحويل تحفظاته وآماله وطاقاته لفعل سياسي منظم ومنتج.



إقرأ المزيد