التحول الجذري للرئيس السوري أحمد الشرع
إيلاف -

يخطو الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، على المسرح الدولي ببدلة أنيقة وشعر مصفف للخلف، ويبدو أن هذا التحوّل العلني للرئيس السوري الجديد، يمر بمرحلة حاسمة.

فبعد أن خلع زيّه القتالي وحمل اسماً جديداً، أضحى الآن يصافح بعضا من أقوى قادة العالم.

وصل الرئيس السوري إلى واشنطن في زيارة رسمية، بعد يومين فقط من إلغاء الولايات المتحدة، وبشكل رسمي، تصنيفه الخاص كإرهابي عالمي.

ومن القرر أن يلتقي الشرع بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض، بعد 11 شهرا من إطاحة هيئة تحرير الشام ببشار الأسد.

فما الذي دفع هذا التحوّل الجذري لرجل كان يوماً ما هدفاً لمكافأة أمريكية قدرها 10 ملايين دولار؟

الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض منذ 80 عاماً، وبعد رفع اسمه من قوائم الإرهاب

سوريا والولايات المتحدة: ما النتائج المُنتظرة من لقاء الشرع وترامب؟

Bandar Al-Jaloud/Saudi Royal Court/Handout/Anadolu via Getty Images
ستكون زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن هي المرة الثانية التي يلتقي فيها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا العام، بعد محادثات في السعودية في مايو/ أيار الماضي.

منذ توليه السلطة قبل عام، سعى الشرع إلى إعادة ترسيخ حضور سوريا على الساحة العالمية بعد عقود من العزلة في ظل نظام الأسد و13 عاما من الحرب الأهلية.

سافر إلى الولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال إن سوريا "تستعيد مكانتها اللائقة بين دول العالم" ودعا المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات.

ومع ذلك، فقد صقل الشرع تحوله بعناية على مدى عقد من الزمان، وهو ما يتضح ليس فقط في تصريحاته العلنية ومقابلاته مع وسائل الإعلام الدولية، ولكن أيضا في مظهره المتطور.

إنه رجل يبدو أنه يتمتع بفهم عميق لقوة الرمزية.

فبعد أن كان يرتدي الزي العسكري الجهادي التقليدي، تبنى في السنوات الماضية أسلوباً غربياً. وخلال الهجوم على نظام الأسد العام الماضي، ارتدى الزي العسكري، رمزا لدوره كقائد لغرفة العمليات.

وهذا يُعد بعيد كل البعد عن الفترة التي كان فيها الشرع يُعرف باسم أبو محمد الجولاني، وهو اللقب الذي استخدمه زعيما لهيئة تحرير الشام في سوريا. الجماعة التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة حتى عام 2016، عندما قطع الشرع علاقتها بالتنظيم.

وقبل قيادته لهيئة تحرير الشام، قاتل الشرع في صفوف القاعدة في العراق، وسُجن لفترة لدى القوات الأمريكية.

ماذا نعرف عن القبائل السوريّة؟ وما علاقتها بالدولة؟

من ساحات القتال إلى أروقة الكرملين، لقاء الشرع وبوتين يثير الجدل

وفي عهد الشرع، أصبحت هيئة تحرير الشام القوة المهيمنة في إدلب، أكبر معقل للمعارضة في شمال غرب سوريا، والتي يقطنها حوالي أربعة ملايين شخص، نزح الكثير منهم من محافظات سورية أخرى.

وللتعامل مع المخاوف بشأن سيطرة جماعة مسلحة على المنطقة، أنشأت هيئة تحرير الشام جبهة مدنية، تُسمى حكومة الإنقاذ السورية، عام 2017، كذراع سياسي وإداري لها.

وعملت حكومة الإنقاذ السورية كدولة، مكونة من رئيس وزراء ووزارات وإدارات محلية تُشرف على قطاعات مثل التعليم والصحة وإعادة الإعمار، مع الحفاظ على مجلس ديني يُرشدها بتعاليم الشريعة الإسلامية.

Reuters
عُرف الشرع سابقا باسم أبو محمد الجولاني، لكنه غيّر صورته - واسمه - بشكل حاسم في العقد الذي انقضى منذ ذلك الحين.

ولتحسين صورته، انخرط الشرع بنشاط مع عامة الناس، وزار مخيمات النازحين، وحضر الفعاليات، وأشرف على جهود الإغاثة، لا سيما خلال أزمات مثل زلازل عام 2023.

وسلطت هيئة تحرير الشام الضوء على إنجازاتها في مجالي الحوكمة والبنية التحتية لإضفاء الشرعية على حكمها وإثبات قدرتها على توفير الاستقرار والخدمات.

وقد أشادت سابقا بطالبان، عند عودتها إلى السلطة في أفغانستان عام 2021، معتبرة إياها مصدر إلهام ونموذجا يُحتذى به في الموازنة الفعالة بين الجهود الجهادية والطموحات السياسية، بما في ذلك تقديم تنازلات تكتيكية لتحقيق أهدافها.

وقد عكست جهود الشرع في إدلب استراتيجيته الأوسع نطاقا لإظهار قدرة هيئة تحرير الشام ليس فقط على الجهاد، بل أيضا على الحكم بفعالية.

ومن خلال إعطاء الأولوية للاستقرار والخدمات العامة وإعادة الإعمار، سعى إلى عرض إدلب كنموذج للنجاح في ظل حكم هيئة تحرير الشام، مما عزز شرعية جماعته وطموحاته السياسية.

واستجابة لهذه الإصلاحات، رفعت الولايات المتحدة عقوباتها على هيئة تحرير الشام في وقت سابق من هذا العام.

لكن تحت قيادته، اتُهمت هيئة تحرير الشام بسحق وتهميش الفصائل المسلحة الأخرى، سواء الجهادية أو المسلحة، في سعيها لتعزيز نفوذها والهيمنة على المشهد.

وبادرت هيئة تحرير الشام بعدة إصلاحات في الأشهر التي سبقت الإطاحة بالأسد. إذ قامت بحل أو إعادة صياغة هوية قوة أمنية مثيرة للجدل متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان، وأنشأت ديوانا للمظالم يسمح للمواطنين بتقديم شكاوى ضدها.

وقال منتقدوها إن هذه الإجراءات مجرد استعراض لاحتواء المعارضة.

Reuters
الرئيس الشرع يناشد الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي رفع العقوبات المفروضة على سوريا

ويُعد لقاء الشرع بترامب أحدث دعم له في إعادة صياغة هويته الدبلوماسية. إذ سبق أن التقى بالرئيس الأمريكي في مايو/ أيار خلال زيارة للعاصمة السعودية الرياض، ووصفه ترامب آنذاك بأنه "رجل قوي، ذو ماض قوي".

وفي سبتمبر/ أيلول، سافر إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال إن سوريا "تستعيد مكانتها اللائقة بين دول العالم" ودعا المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات.

وردا على ذلك، أيّد مجلس الأمن الدولي قراراً أمريكيا برفع العقوبات، تزامناً مع استمرار واشنطن في عملية استمرت شهوراً لتخفيف العقوبات تدريجيا على سوريا وقادتها الجدد.

وعلى الرغم من خلفيته، حظي الشرع بدعم من الحكومات المعارضة لنظام الأسد بتعهده بقيادة حكومة معتدلة قادرة على كسب تأييد مختلف الجماعات والفصائل العرقية السورية.

وفي مقابلة مع صحيفة الإيكونوميست في مايو/ أيار، قال الشرع "لا يمكننا بناء مستقبل على الانتقام. يجب أن تكون سوريا وطناً لجميع أبنائها، وليس فقط للمنتصرين".

وعلى أرض الواقع، وقبل ساعات من وصوله إلى العاصمة الأمريكية، أُعلن أن أجهزة الأمن السورية اعتقلت عشرات المشتبه بانتمائهم لما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي وقت سابق من هذا العام، تعهد أيضا باستئصال عناصر من قواته الأمنية اتُهمت بإعدام أفراد من الأقلية العلوية في سوريا.

ومع ذلك، فقد واجه هذا التعهد اختباراً صعبا.

إذ اندلعت مؤخرا أعمال عنف دامية بين مقاتلي قبائل البدو السنية وميليشيات الدرزية، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام قادرة على إعادة الاستقرار إلى بلدها الذي عصفت به الحرب لأكثر من عقد من الزمان، على الرغم مما يحدث على الساحة الدولية والصورة التي يروج لها الرئيس السوري.



إقرأ المزيد