الجزيرة.نت - 11/17/2025 5:02:11 PM - GMT (+3 )
تعد الصداقات التي نكوّنها في الصغر من أعمق العلاقات الاجتماعية في الحياة؛ فزملاء الدراسة الذين شاركونا ركوب الدراجة، وتناول الحلويات المفضلة، وزملاء السكن الذين كانوا ملاذا خلال المواقف الصعبة قد يعرفوننا أكثر مما نعرف أنفسنا أحيانا.
لكن مع دخولنا معترك الحياة والارتباط بالعمل وتحمّل مسؤوليات المنزل والأسرة، تصبح المحافظة على هذه الصلات أمرا صعبا.
تلعب التكنولوجيا دورها أيضا؛ فوفقا لماريسا فرانكو، أستاذة علم النفس المساعدة في جامعة ميريلاند ومؤلفة كتاب "أفلاطوني: علم الارتباط العاطفي"، فإن الشعور بالوحدة تفاقم منذ اختراع التلفاز وازداد حدة مع انتشار الهواتف الذكية.
وتشير فرانكو إلى أن كثيرين يترددون في التواصل من جديد مع أصدقاء قدامى خوفا من الرفض، بينما يشعر معظم الناس بالتقدير تجاه الأصدقاء القدامى الذي يبادرون بالتواصل معهم.
وعند التواصل، تنصح أستاذة علم النفس بالعودة إلى ذكرى مشتركة كبداية "فيمكنك أن تقول ببساطة: ظهرت هذه الصورة في ذاكرتي وأدركت أنني أريد أن أطمئن عليك". وتقترح أيضا ترتيب لقاء، أو إذا كان الصديق بعيدا، تحديد موعد لمكالمة هاتفية.
ستينيتان تعيدان صداقتهماكانت هيذر روب ولين دي باسكونتونيو صديقتان مقربتان لا تكادان تنفصلان في العشرينيات من عمرهما حين عاشتا في بوسطن. سافرتا معا، وحضرتا حفلات موسيقية، بل إن دي باسكونتونيو كانت وصيفة في زفاف روب.
لكن بعد زواج روب وانتقال دي باسكونتونيو إلى كولورادو، تفرّق شمل الأصدقاء، وانشغل كل منهما بتربية الأطفال ورعاية الوالدين والعمل.
تقول روب البالغة من العمر 60 عاما، "لم نكن نلاحظ أن المسافة تتسع بيننا. كان مجرد وقت ومكان مختلفين".
مرت سنوات مع بعض بطاقات الأعياد والرسائل القصيرة، دون تواصل حقيقي. شعرت دي باسكونتونيو بأنها أصبحت خارج الدائرة بعد رؤيتها صور روب على وسائل التواصل الاجتماعي مع أصدقاء آخرين، "ولم أكن متأكدة إن كان لا يزال لي مكان".
إعلان
ترد روب: "هذا هو الوجه القبيح لمواقع التواصل الاجتماعي".
عادت الصديقتان للتواصل عندما زارت روب دنفر في رحلة عمل في أبريل/نيسان الماضي، وترددت في البداية بالاتصال. لكنها فوجئت بأن صديقتها كانت تستعد لعملية جراحية لإزالة سرطان في الثدي، ودعتها لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزلها، وانضمت لهما صديقة مشتركة.
تقول دي باسكونتونيو البالغة من العمر 63 عاما، "سعدت كثيرا باتصالك. كان رائعا. ما الذي أخّرنا؟" ومنذ ذلك اللقاء، بقيتا على تواصل وثيق.
تقول روب، "كان الأمر كما لو أن قطعة مفقودة عادت لمكانها".
بادر دون ترددمن جانبها، كانت راينا دومينغيز (18 عاما) مرتبطة بصديقتها المفضلة منذ الصف الأول. لكنهما ابتعدتا عن بعضهما عند انتقالها من لونغ آيلاند إلى بروكلين وبدء صديقتها الدراسة الجامعية.
بعد تخرجها من مدرسة التجميل، أرسلت رسالة لصديقتها لإخبارها، "كنت قلقة من أنها لن ترد، لكنها فعلت، وشعرت بارتياح كبير".
تتواصلان الآن مرة كل شهر وتخططان للقاء. تقول دومينغيز، "أحيانا أشعر بالوحدة، وكأنه لا يوجد من أتحدث معه، لكنها تعرف كل شيء عن حياتي".
وتنصح الآخرين قائلة، "افعلها فقط. لا شيء تخسره. في أسوأ الأحوال، لن يردوا، لكنك على الأقل حاولت".
صداقة لم تنقطعأما أندرو سنايدر، فحافظ بدوره على صداقته منذ الصف الخامس رغم أن صديقه يعيش في ولاية بعيدة. يتحدثان شهريا ويرتبان لقاءات عدة مرات في السنة، "زرنا منازل بعضنا، لذا عندما نتحدث عن حياتنا، نفهم التفاصيل".
أستاذ الفلسفة والاقتصاد في نيويورك البالغ من العمر 50 عاما، يرى أن الصداقات تتراجع في زمن تمضية الوقت على شاشات الهواتف؛ "فالصداقة وطهي الطعام والرياضة والخروج كانت جوهر الحياة… لكنها الآن تتلاشى".
الرفض ليس نهاية العالمكيم فينتريسكا البالغة من العمر 22 عاما، ابتعدت بدورها عن صديقتها المقربة خلال الجامعة. حاولت التواصل، وتواصلتا فترة خلال أزمة في حياة الصديقة، لكن سرعان ما انقطعت العلاقة مجددا.
في النهاية، قالت لها الصديقة إنها لم تعد ترغب في الاستمرار بالعلاقة.
تعلّق فينتريسكا بالقول، "كونت صداقات جديدة. أعتقد أن بعض الأمور تحدث لسبب ما".
ورغم ذلك، تشجع على التواصل حتى لو بدا الأمر محرجا، "فالأسوأ أن تُترك رسالتك دون رد… لكنها ليست نهاية العالم".
لغة سرّية ولقاء في المتروأما جينيفر أوستن، فالتقت بصديقتها مولي في الصف الثاني الابتدائي، وسرعان ما أصبحتا صديقتين مقربتين. كانتا تضحكان كثيرا في الحصص حتى اضطر المعلم لفصلهما، مما ألهمهما ابتكار لغة سرية خاصة بهما. تبادلتا الزيارات المنزلية خلال العطل، وشاركتا في رحلات عائلية سويا.
لكن بعد انتقال عائلة أوستن إلى ألمانيا قبيل المرحلة الثانوية، بدأت علاقتهما تبهت تدريجيا. مرت عقود قبل أن تلتقيا مجددا كامرأتين ناضجتين.
تقول أوستن البالغة من العمر 51 عاما إن "الصداقات القوية تبقى على الأمد البعيد، حتى إن خفتت أو تلاشت لبعض الوقت، فهي لا تختفي تماما. تبقى هناك كضوء صغير في الخلفية".
وبعد أن انتقلت عائلة أوستن إلى ألمانيا، لم تر صديقتها مولي لمدة 20 عاما، إلى أن التقتا مصادفة في محطة مترو في نيويورك. تواصلتا لفترة، ثم انقطع الاتصال مجددا.
إعلان
لكن عندما زارت مولي ابنتها في جامعة قرب منزل أوستن عام 2021، عاد التواصل بشكل حقيقي، واستمر حتى اليوم.
تختم أوستن، "في تلك اللحظة، تغير شيء ما. وقلنا لبعضنا: لا نريد الانتظار 20 سنة أخرى. فلنحافظ على هذه الصداقة".
إقرأ المزيد


