الجزيرة.نت - 11/20/2025 6:00:27 PM - GMT (+3 )
أكد محللون أن الصورة الكاملة لخطة السلام التي وافق عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين روسيا وأوكرانيا لم تتضح بعد، لكنّ ما رشح من معلومات يكشف عن بنود تعتبرها كييف تنازلات كبرى لموسكو.
وفي مقابلات مع الجزيرة نت، قال محللون إن خطة ترامب تتضمن 28 بندا، وأبرز ما احتوته يتمثل في منع انضمام أوكرانيا لأي تحالفات عسكرية غربية، وخفض حجم الجيش الأوكراني إلى النصف، وذلك مقابل ضمانات أمنية أميركية لم تُحدد تفاصيلها بعد.
وتشير المعلومات التي تحدثت عنها وسائل الإعلام إلى أن الخطة يركز أغلبها على إعادة ترتيب المشهد الأمني في أوكرانيا، وحظر امتلاك أسلحة بعيدة المدى أو صواريخ قادرة على استهداف العمق الروسي، كما تتضمن تثبيت السيطرة الروسية على أجزاء من شرق أوكرانيا، ومعاملة شبه جزيرة القرم كجزء لا يتجزأ من روسيا.
وفي مقابل ذلك، تتحدث الخطة أيضا عن تعهد الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقيات أمنية مع أوكرانيا بما يضمن استقلالها وسلامة أراضيها، لكن المحللين يقولون إن طبيعة هذه الضمانات ما تزال غير معلنة.
وتعليقا على ما تسرب من معلومات لوسائل الإعلام عن خطة ترامب للسلام بين روسيا وأوكرانيا، يرى الخبير في شؤون الأمم المتحدة عبد الحميد صيام أن النصوص المسربة من الخطة تكشف عن محاولة لفرض معادلة أمنية جديدة توازن بين الحد الأدنى من المطالب الأوكرانية والحد الأقصى من الشروط الروسية، لكنها في صورتها الحالية تميل بشكل أوضح نحو الجانب الروسي.
وفي تصريحاته للجزيرة نت، يؤكد صيام أن البنود المتعلقة بخفض الجيش وحظر الأسلحة بعيدة المدى تمثل مسألة بالغة الحساسية بالنسبة لكييف، وأن بند تجميد انضمامها لأي تحالف عسكري يشكل عمليا إغلاق الباب نهائيًا أمام عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
إعلان
ويضيف خبير الأمم المتحدة أن هناك بنودا ذات طابع سياسي وثقافي لا تقل حساسية، مثل الاعتراف باللغة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وهي بنود تحمل دلالات رمزية تتصل بالهوية والسيادة.
ومع ذلك، يرى المتحدث نفسه أن إدراج اتفاقيات أمنية أميركية -إذا كانت ملزمة وفعّالة- يمكن أن يمنح كييف قدرا من الطمأنينة، لكن هذه الضمانات يجب أن يرافقها انخراط أوروبي واسع يربط أمن أوكرانيا بأمن القارة.
أما المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف، فيعتبر هذه البنود تنفيذا عمليًا لمطالب موسكو التي تراها ضرورية لمنع أي تهديد عسكري مستقبلي من أوكرانيا.
في حين يرى المحلل الأوكراني فولوديمير شوماكوف أن خطة ترامب تشكل نسخة محدثة من الشروط الروسية التي طُرحت على واشنطن منذ بداية عهد ترامب، معتبرا أن أي اتفاق بهذا الشكل يعني عمليا نزع سلاح أوكرانيا أمام روسيا.
موقف روسيا من خطة ترامبالموقف الروسي يعبر عنه أونتيكوف، إذ يعتبر أن هذه البنود تنفيذ عملي لمطالب موسكو التي تراها ضرورية لمنع أي تهديد عسكري مستقبلي من أوكرانيا، ولذلك ستدعم موسكو خطة ترامب إذا نُفذت بصيغتها الحالية، لأنها تعطيها سيطرة دائمة على مناطق تعتبرها محورية.
وأضاف المحلل الروسي -في تصريحات للجزيرة نت- أن هذه الخطة تضع قيودا صارمة على قدرات الجيش الأوكراني، وتعزل كييف عن الناتو. ولذلك يرى أن البنود المتعلقة بالانسحاب الأوكراني من دونباس (إقليم جنوب شرق أوكرانيا) وخفض عدد القوات والأسلحة ليست تفاوضية بالنسبة لموسكو، بل هي "شروط أمن وجودي".
لكن صيام يشير إلى أن روسيا لن تمنح موافقتها النهائية إلا بعد الحصول على ضمانات مُحكمة تمنع إخلال أوكرانيا بهذه الالتزامات مستقبلا، وأن إشراك الاتحاد الأوروبي في هذا الاتفاق قد يطمئن الكرملين بأن التسوية ستكون مرعية دوليا وليس من قِبل الولايات المتحدة فقط.
وفي مقابل ذلك، يصر المحلل الأوكراني شوماكوف على أن مجرد كون موسكو هي الطرف الأكثر ارتياحا للخطة يعد دليلا على أنها غير متوازنة، ومصممة لترجيح كفة طرف على حساب الكفة الأخرى.
موقف أوكرانيا من خطة ترامبوبناء على ذلك، فإن شوماكوف نفسه يشدد على أن كييف تواجه نصا لم تُشارك في صياغته، ويُطلب منها القبول بتقليص جيشها ونزع أسلحتها الغربية وتثبيت خسائرها الإقليمية.
ويقول شوماكوف -في تصريحاته للجزيرة نت- إن هذا يعيد إلى الأذهان تجربة مذكرة بودابست التي تخلت فيها أوكرانيا عن ترسانتها النووية مقابل ضمانات بدت قوية على الورق لكنها انهارت عند أول أزمة. مضيفا أن أي اتفاق لا يتضمن قدرة دفاعية حقيقية هو وصفة لهجوم روسي جديد.
واتفاقية بودابست تعرف بأنها معاهدة دولية وُقعت في 5 ديسمبر/كانون الأول 1994 في بودابست بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتتعلق بنزع السلاح النووي الأوكراني والضمانات الأمنية لاستقلال أوكرانيا.
وهذه المخاوف يتفق مع ما جاء في جوهرها الخبير في شؤون الأمم المتحدة، لكنه يوضح أن كييف لن تكون أمامها فسحة واسعة لرفض الخطة كليًا بسبب اعتمادها الكبير على الدعم الأميركي، مما سيدفعها إلى محاولة تعديل بعض البنود، خاصة المتعلقة بحجم الجيش ونوعية الأسلحة.
إعلان
ويبين صيام أن أوكرانيا ستصر على أن يكون الاتحاد الأوروبي طرفًا ضامنًا، حتى لا تظل الضمانات الأمنية حكرًا على واشنطن.
أما المحلل الروسي فيرى أن هذا الرفض -إذا استمر- سيؤدي إلى جمود المسار السياسي وعودة الحسم إلى ساحة القتال.
هل ستنجح خطة ترامب في إنهاء الحرب؟أما ما يتعلق بالآثار المترتبة عن خطة ترامب، فمن الواضح أن موقف الطرفين سيكون منقسما بشأنها، فأونتيكوف يربط نجاح الخطة بقدرة واشنطن على ممارسة ضغط حقيقي على كييف، محذرًا في الوقت نفسه من أن الفشل في ذلك سيبقي العمليات العسكرية قائمة حتى تُفرض تسوية على الأرض.
أما المحلل الأوكراني شوماكوف فيرفض هذا الطرح، ويعتبر خطة ترامب استسلاما سياسيا "مقنّعًا"، يمنح روسيا ما لم تستطع انتزاعه عسكريًا ويعاقب أوكرانيا على صمودها.
وهنا يأتي موقف عبد الحميد صيام الذي يتبنى رؤية وسطية تقوم على مبدأ أن أي خطة سلام قابلة للحياة تحتاج إلى مظلة أوسع من التفاهم الأميركي الروسي، وأن إشراك الاتحاد الأوروبي وإضافة ضمانات أمنية متبادلة، مع خطوات لبناء الثقة مثل تبادل الأسرى وإطلاق المعتقلين، قد تعزز فرص نجاحها.
لكنه في الوقت نفسه يحذر من أن تغييب أوروبا سيجعل الخطة هشة وغير قابلة للصمود عند أول اختبار للتطبيق.
وبينما تترنح الخطة بين التأييد الروسي والرفض الأوكراني، وتوازنات الضغط الأميركي والحذر الأوروبي، يبقى السؤال معلقا: هل ستكون خطة ترامب للسلام ذات البنود الـ28 أساسا لمفاوضات شاقة لكنها ستكون حلا لحرب مستمرة منذ فبراير/شباط 2022، أم أنها ستظل مبادرة تنضم لأرشيف المبادرات السابقة؟
إقرأ المزيد


