الجزيرة.نت - 11/23/2025 5:20:27 PM - GMT (+3 )
القرائية (أو القرائيون) طائفة يهودية أنشأها الحاخام عنان بن داود بالعراق في القرن الثامن الميلادي، يؤمن أتباعها بـ"التوراة المكتوبة" (التناخ) مصدرا وحيدا للشريعة اليهودية، ويرفضون الخضوع لسلطة الحاخامات و"التوراة الشفوية" (التلمود والمشنا)، ويقولون إنها تفاسير وضعية.
ورغم هذا الاختلاف، فإن القرائين يشتركون مع اليهودية الحاخامية (الربانيين) في العديد من المعتقدات والممارسات الدينية الأساسية، وشعارهم هو "ابحث بعناية في التوراة".
النشأة والتأسيستعود نشأة الطائفة القرائية في العراق إلى منتصف القرن الثامن الميلادي، وقد أسسها الحاخام عنان بن داود في زمن الخلافة العباسية.
وتذكر الموسوعة اليهودية أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور سجن عنان بن داود لعدم اعترافه بحاخامية إسحاق الإسكافي، الذي أقر الخليفة تنصيبه على الطائفة اليهودية. وأثناء فترة سجنه، التقى عنان الإمام أبي حنيفة النعمان، الذي اقترح عليه شرح آرائه للخليفة، وهو ما أدى في النهاية إلى الإفراج عنه.
واستند عنان في أطروحاته إلى مفهوم القياس عند المسلمين، متأثرا بأصول الفقه الحنفي، وأدخل مفاهيم علم الكلام والعقلانية إلى النسق العقدي اليهودي، وهو ما فتح باب الاجتهاد في فهم نصوص التوراة، ومن أبرز إنتاجاته كتاب "الأوامر والنواهي" بالآرامية (سفر هامتسفوت) سنة 770.
واجه عنان هجوما فكريا ممن يعرفون بـ"الجاؤونيم"، وهم قادة الأكاديميات التلمودية الكبرى في بابل بين القرنين السادس والحادي عشر، وكان يقودهم الحاخام سعديا جاؤون.
جادل هؤلاء بأن التوراة المكتوبة لا يمكن فهمها أو تطبيقها دون الشريعة الشفوية المتوارثة عبر المشنا والتلمود، معتبرين أن العديد من "وصايا الرب في النص المكتوب غامضة أو ناقصة وتحتاج إلى تفسير شفوي"، ورفضوا طريقة القرائين في التفسير، محذرين من أنها قد تؤدي إلى فوضى وانقسام بين اليهود، مؤكدين أن الفقه الحاخامي "جزء لا يتجزأ من الإرادة الإلهية".
في العصور الوسطى شهدت اليهودية القرائية مرحلة ازدهار فكرية وعلمية، وبرزت إنتاجاتها في مجالات التفسير واللغة والأدب والفلسفة. ونشطت في العراق وفلسطين ومصر وإسطنبول وروسيا، إضافة إلى بعض الدول الأوروبية. كما أنشأ القراؤون مركزا لهم في مدينة القدس أثناء فترة الصليبيين، إلا أن أهميته تراجعت بعد تحرير صلاح الدين الأيوبي المدينة عام 1187.
في القرن التاسع عشرفي القرن التاسع عشر ظهرت في أوروبا الحركة المعروفة بـ"القومية القرائية"، التي ادعت أن القرائين ليست لهم جذور يهودية، وأنهم من نسل قبائل آسيا الوسطى، في محاولة لتجنب الاضطهاد الذي عانى منه اليهود في الإمبراطورية الروسية، وكذلك للحماية من ملاحقات النازيين في ألمانيا.
إعلان
في الوقت نفسه، ظهرت حركة "الناعين إلى صهيون"، التي دعت إلى الزهد والعيش في مدينة القدس لتسريع "الخلاص" وبناء "الهيكل المزعوم".
بعد قيام إسرائيلبعد إعلان قيام إسرائيل في مايو/أيار 1948، هاجر معظم اليهود القرائين إليها وحصلوا على جنسيتها. وكانت الهجرة على 3 موجات رئيسية: الأولى بين أوائل 1949 ومنتصف 1950، والثانية عام 1955، والثالثة في الفترة بين 1969 و1970.
عُيّن الحاخام إيمانويل بن موشيه مسعود أول زعيم للطائفة في إسرائيل، وتمركز القراؤون في مدينة الرملة، وشيدوا 12 معبدا في عدة مدن أبرزها أسدود والقدس المحتلتان.
في 1963 أسسوا جمعية "اليهود القرائين العالمية" وفق القانون العثماني، وفي 1982 سجلت الجمعية ضمن قانون الجمعيات الإسرائيلي.
وهدفت الجمعية إلى توحيد اليهود القرائين حول العالم في منظمة واحدة، ومعالجة مشاكلهم والنهوض بهم على الصعيد الديني والتعليمي والثقافي والاقتصادي والأخلاقي، فضلا عن تشجيع هجرتهم إلى إسرائيل.
كما أن لليهود القرائين وجودا محدودا في أوروبا وتركيا، ولديهم معبد في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية.
التسميةحملت هذه الجماعة اسمها من كلمة "القراء" المشتقة من العبرية "قرائيم"، وتعني حرفيا "أهل القراءة" في إشارة إلى منهجهم القائم على التلاوة الدقيقة للنصوص المقدسة.
وقد جاء هذا المسمى ليعكس هويتهم العقائدية القائمة على الاعتماد الكامل على التوراة المكتوبة (التناخ) بوصفها المصدر الوحيد للتشريع، مع رفض التوراة الشفوية والسلطة الحاخامية وتفسيراتها.
ويُعرف أتباع هذا المذهب أيضا بـ"أبناء المقرا" أو "أصحاب المقرا"، وتعني كلمة المقرا أسفار العهد القديم. كما يُطلق عليهم اسم "العنانيين" نسبة إلى مؤسسهم عنان بن داود.
ويشير المفكر عبد الوهاب المسيري في كتابه "من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟" إلى أن القرائين "جعلوا النص المقدس المكتوب، أي العهد القديم، المرجع الأول في الشؤون الدينية كافة، والمنبع لكل عقيدة وتشريع"، مؤكدا استقلاليتهم عن التراث الشفهي اليهودي.
عقيدة الطائفةتعتمد هذه الطائفة على منظومة عقدية متفرّدة، تنطلق من رفض التوراة الشفوية بكل ما تتضمنه من تعاليم التلمود والمشنا، باعتبارها -وفق رؤيتهم- اجتهادات بشرية لا ترقى لمستوى الوحي الإلهي.
ويؤمن القراؤون بأن الأسفار الخمسة الأولى والأسفار النبوية وحدها تمثل التشريع الإلهي الموثوق، في حين تعد باقي أسفار العهد القديم، مثل المزامير والأمثال، مجرد نصوص حكمية وتاريخية نابعة من التوراة وليست تشريعا.
ورغم اعترافهم بأهمية تفسير النص، فإنهم يؤكدون أن "الله لم يُنزل تفسيرا مكتوبا أو شفهيا للتوراة على جبل سيناء"، وأن مهمة الفهم تُركت للعقل البشري شرط التمسك بالنص الأصلي دون وسيط.
وتستند عقيدتهم على 3 مرتكزات رئيسية:
- التوراة المكتوبة: الالتزام بالوصايا الواردة في النص كما تلقاها موسى، دون إضافة أو توسّع تشريعي.
- القياس المنطقي: اعتماد العقل في استنباط الأحكام للحالات غير الواردة في التوراة، مع شعارهم الدائم "ابحث بعناية في التوراة".
- الرجعية: أي محاكاة وتكرار كل ما اعتاد عليه زعماؤهم في الماضي، وانتقل عبر الأجيال مثل طريقة الذبح والختان، بشرط ألا يتناقض مع التوراة المكتوبة.
إعلان
ويرى القراؤون أن كل إضافة على التوراة تعد خروجا عن الدين، ويستندون في ذلك إلى غياب أي ذكر للتوراة الشفوية في التناخ، وإلى أن بني إسرائيل -بحسب روايتهم- عاشوا قرابة 50 عاما بلا توراة، مما يجعل نقل "شريعة شفوية" عبر الأجيال أمرا غير منطقي.
أما فيما يتعلق بالتفسير، فيؤمنون "أن الإنسان غير معصوم من الخطأ"، و"يحتمل أن تفاسير العصر الحديث للتوراة تستند على أخطاء الجيل السابق، مما أدى إلى تراكم الأخطاء".
العبادات والعاداتتتبنّى الطائفة القرائية منظومة من العبادات والعادات الخاصة بها، أبرزها الاحتفال ببلوغ الفتى سن الثالثة عشرة.
وترى الطائفة أن معابدها أماكن مقدسة للحوار مع الرب، وتُشترط لدخولها الطهارة الجسدية والنظافة الكاملة في الملبس، مع الالتزام بخلع الأحذية.
أما في ما يخص التقويم، فيعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة، ويُعد ظهور القمر بعد الغروب علامة بدء الشهر الجديد. ويُبنى ذلك على شهادات موثوقة لمن يشاهدون الهلال مباشرة.
وفي حساب عيد الأسابيع (شفوعوت)، يتّبع القراؤون آلية خاصة تقوم على عدّ 49 يوما بدءا من أول أحد يلي أول سبت بعد اليوم الأول من عيد الفصح، وهو ما يجعل تاريخ العيد غير ثابت داخل التقويم العبري.
ويحتفلون بعيد المساخر (بوريم) مدة يومين، بينما يرفضون الاحتفال بالحانوكا ويعتبرونه طقسا لا أصل له في التوراة المكتوبة.
وتتميّز الأحكام الخاصة بالأسرة بصرامة واضحة؛ إذ يُمنع زواج الرجل من أخت زوجته حتى بعد الطلاق أو الوفاة، وكذلك من ابنة أخيه أو ابنة أخته.
أما أحكام العِدّة والطهارة لدى النساء، فتتضمن العزل بعد الولادة فترة النفاس مدة 7 أيام للمولود الذكر، و14 يوما للأنثى، تليها فترة "أيام الطهارة" التي تمتد 33 يوما بعد إنجاب الذكر و66 يوما بعد إنجاب الأنثى، وتتحقق الطهارة عبر الغُسل بالماء المتدفق.
وترى الطائفة مساواة كاملة بين الرجل والمرأة في الشهادة، وتولي المناصب، والالتزام بالأوامر الواردة في التوراة، مع مساواة في حقوق الطلاق وواجباته. كما يُفصل بين الجنسين داخل المعابد تجنبا لأي كشف للعورة أثناء الصلاة.
وفي شأن السبت، يتبنّى القراؤون التزاما صارما يشمل تحريم الجماع والختان وإشعال النار أو الضوء ومغادرة المنزل وحمل المتاع.
ويحظرون تناول الخنزير والإبل والأرانب وكل ما لا يمتلك زعانف أو قشورا من المأكولات البحرية، إضافة إلى كل اللحوم غير المذبوحة وفق الشريعة.
أما الصلاة فيصلون مرتين يوميا وفق صيغة خاصة تعتمد السجود الكامل، ويرتدي المصلّون شال الصلاة (الطاليت)، مع الإيمان بأن التوراة لم تقدم تفاصيل تشريعية دقيقة حول كيفية أدائها.
التعليم والعملتولي اليهودية القرائية أهمية خاصة للتعليم والعمل، وتعتبرهما جزءا من الحياة اليهودية الملتزمة. ويرون أن كل فرد مسؤول عن قراءة وتفسير التوراة المكتوبة بشكل نقدي ومستقل، مما يتطلب تعليما قويا لضمان فهم النصوص باللغة العبرية الأصلية بعيدا عن تفسيرات الحاخامات.
ويدعون إلى تعليم الأطفال المهارات اللازمة للحياة، ويشجعون التعليم العام والعالي. وينظرون إلى العمل على أنه وسيلة لكسب العيش والمساهمة في تطور المجتمع، ويدعون إلى الاندماج في سوق العمل في البلدان التي ينتشرون فيها، لكن يحظرون العمل يوم السبت.
التفاعل السياسييحافظ القراؤون على حضورهم الديني والاجتماعي من خلال التفاعل الحذر مع السلطات القائمة في البلدان التي يعيشون فيها، وذلك بهدف صون هويتهم واستقلالهم العقائدي.
وفي إسرائيل يتبنى أتباع الطائفة موقفا مؤيدا للصهيونية، ويشاركون في الحياة العامة بما في ذلك الخدمة العسكرية، رغم عدم الاعتراف بهم قانونيا طائفة دينية مستقلة، وعدم امتلاكهم أي أطر حزبية تمثلهم سياسيا.
ويخوض القراؤون مواجهة مستمرة مع المؤسسة الحاخامية الأرثوذكسية التي لا تعترف بيهوديتهم وفق معاييرها وترفض المصادقة على زيجاتهم وطلاقاتهم، مما دفعهم إلى إنشاء منظومة قضائية خاصة لإدارة شؤونهم الدينية والمدنية. كما يعبرون عن استيائهم من ضعف الدعم المالي الحكومي المخصص لمؤسساتهم.
إعلان
ويقول ناريا هاروئي، سكرتير المحكمة القرائية في إسرائيل، إن السلطات لا تمنح طائفته المكانة ذاتها الممنوحة للأرثوذكس، مضيفا "نشعر أننا يهود من الدرجة الثانية، إذ لا يوجد من يمثلنا في الهيئة الحاخامية العليا".
وفي فبراير/شباط 2016، أوصت لجنة "إيريز بيتون" التابعة لوزارة التعليم الإسرائيلية بإعادة النظر في الصورة السلبية للقرائين داخل المناهج، ووقف تصويرهم وكأنهم السبب في انقسام اليهود.
أما الباحث حسن ظاظا، فأشار في كتابه "أبحاث في الفكر اليهودي" إلى أن الصهيونية التلمودية، بعد إحكام سيطرتها على فلسطين، نقلت بضعة آلاف من القرائين إلى الداخل الفلسطيني.
واعتبر أنهم يعيشون هناك مثل "رهائن" تُستخدم للمساومة مع القرائين في الخارج، مما دفع أبناء الطائفة إلى تجنب انتقاد المشروع الصهيوني حرصا على سلامة جماعتهم داخل إسرائيل.
المصدر: الصحافة الإسرائيلية + مواقع إلكترونية
إقرأ المزيد


