الجزيرة.نت - 11/23/2025 6:12:55 PM - GMT (+3 )
منظمة مالية أسستها الحركة الصهيونية العالمية عام 1920، بهدف جمع الأموال اللازمة لتأسيس "وطن قومي" لليهود في فلسطين. كان لها دور محوري في تمويل الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتطوير البنية التحتية للمستوطنات، مسهمة بذلك في وضع الأسس لإعلان قيام إسرائيل عام 1948.
استمرت المنظمة في نشاطها بعد إعلان قيام إسرائيل، وفي 1957 اعترف بها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) رسميا جهة لجمع التبرعات لصالح الدولة، وأصبحت بذلك كيانا دوليا يموّل الاستيطان، ويشجع هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية.
مشروع التأسيسركزت الحركة الصهيونية العالمية جهودها على جمع التمويل الضروري لتأسيس وطن قومي لليهود وإقامة دولة لهم، ما دفعها إلى تكليف نخبة من الاقتصاديين اليهود حول العالم بتأسيس كيان مالي يتولى جمع الموارد المطلوبة، بالتوازي مع الصندوق القومي اليهودي، الذي أُنشئ عام 1901 لتمويل عمليات شراء الأراضي في فلسطين.
وفي يوليو/تموز 1920، انعقد المؤتمر الصهيوني العالمي في لندن، واضعا على رأس جدول أعماله حشد الموارد المالية الضرورية لتطوير المشروع الاستيطاني في فلسطين، إلى جانب إنشاء مؤسسة مالية مركزية تسهم بفعالية في إقامة الوطن القومي لليهود، استنادا إلى وعد وزير الخارجية البريطاني آنذاك جيمس آرثر بلفور.
وتوافق المؤتمر على تأسيس منظمة مالية حملت اسم "الصندوق التأسيسي – الجباية الموحدة لإسرائيل"، وعرفت اختصارا باسم (كيرين هايسود)، بحيث تكون منظمة مركزية غير ربحية، يشارك في تمويلها اليهود في مختلف أنحاء العالم، وتُخصص مواردها حصريا لخدمة هدف إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين.
كما أقرّ المؤتمر فرض مساهمات مالية سنوية تُعد بمثابة "ضريبة إلزامية" على كل يهودي أينما وجد، وكُلِّفت المؤسسة بجمع 25 مليون جنيه إسترليني في غضون عام واحد، باعتباره المبلغ الكفيل بتأسيس هذا المشروع.
واختتم المؤتمر أعماله بتوجيه نداء عالمي إلى أعضاء المنظمة الصهيونية وجميع اليهود لـ"القيام بواجبهم تجاه وطنهم القومي"، عبر دعم الصندوق وتمويل مشروعاته.
قسّمت المنظمة الصهيونية الموارد المالية المجمَّعة عبر "كيرين هايسود" إلى ثلاثة مكونات رئيسية:
- ثلث يخصص للخدمات العامة لليهود في فلسطين، بما يشمل التعليم والصحة والإسكان.
- ثلث يوجّه لدعم مشاريع الاستيطان الزراعي.
- ثلث يخصص لتطوير الأنشطة الصناعية والاقتصادية.
إعلان
وبعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948، جرى توحيد المؤسسات المالية الصهيونية تحت مسمى "الجباية الموحدة لإسرائيل"، بينما حدّد المؤتمر الصهيوني عام 1951 مهمة "كيرين هايسود" بجمع التمويل من خارج إسرائيل، لتسجَّل لاحقا باعتبارها كيانا ماليا إسرائيليا رسميا.
وفي 10 يناير/كانون الثاني 1956، أقرّ الكنيست قانون "كيرين هايسود"، مانحا المنظمة الصفة القانونية باعتبارها مؤسسة رسمية مكلفة بجمع التبرعات لصالح إسرائيل تحت اسم "كيرين هايسود-الصندوق الموحد لإسرائيل".
ومنذ ذلك الحين واصلت المنظمة عقد مؤتمرات دولية لحشد التبرعات وتنفيذ مشاريع واسعة النطاق دعمت الاستيطان، وشجعت هجرة اليهود إلى إسرائيل.
البيان التأسيسيأصدرت المنظمة بيانها الأول يوم 24 سبتمبر/أيلول 1920، موجّهة دعوة صريحة لليهود في مختلف أنحاء العالم لتوفير التمويل الضروري لإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
وأكد البيان أن الانتداب البريطاني على فلسطين يمثل "فرصة تاريخية" ينبغي استثمارها لتحقيق هذا الهدف، ولضمان وصول الرسالة إلى أوسع نطاق ممكن، جرى نشر البيان بلغات عدة شملت الإنجليزية والعبرية والإيديشية والفرنسية والألمانية.
كما سعت المنظمة الصهيونية إلى توحيد مختلف التيارات اليهودية حول دعم الصندوق باعتباره الصندوق الجامع لـ"الأمة اليهودية".
الضريبة الذاتيةسعى القائمون على الصندوق إلى ربط نشاطه ببعض التقاليد اليهودية القديمة، فاقترحوا ما عُرف بـ"الضريبة الذاتية"، المستوحاة من مبدأ "المعشار القديم" المعروف في الثقافة اليهودية، والذي يقوم على دفع عشر الدخل السنوي.
وبناء على هذا الاقتراح، اعتمدت المنظمة الصهيونية العالمية الفكرة، بهدف تحفيز جميع اليهود، من الأغنياء والفقراء، على المساهمة في تمويل الصندوق، باعتباره دعما للديانة اليهودية.
صنفت المنظمة مبدأ الضريبة الذاتية ضمن مبادئ أساسية عدة:
- فرض ضريبة بنسبة 10% على ممتلكات أغنياء اليهود.
- مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة عند تحديد قيمة الضريبة.
- توحيد تطبيق الضريبة لتشمل جميع اليهود على حد سواء.
- تحديد الحد الأدنى المقبول لدفع الضريبة، فكان حينها لا يقل عن جنيه إسترليني واحد لكل فرد.
وعلى الرغم من اعتماد هذه المبادئ، فشل الصندوق لاحقا في تنفيذ الفكرة بشكل فعلي، فتجهّز لتنظيم حملات لجمع التبرعات مباشرة، وتوجيه رسائل إلى كبار اليهود تحثهم على المساهمة.
كما نظم موظفو المنظمة جولات بين المدن والعواصم التي تتركز فيها الجاليات اليهودية، لضمان جمع أكبر قدر ممكن من الأموال.
الهيكليةتتألف المنظمة من إدارات وأقسام عدة، لكل منها مهام محددة وواضحة، وهي كما يلي:
- مجلس الإدارة: تعينه الحركة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، ويُكلَّف بتنظيم شؤون المنظمة وترتيبها واتخاذ القرارات الإستراتيجية.
- مجلس الأمناء: يضم 8 أعضاء، تُسند إليهم مهام الرقابة المالية على أموال الصندوق، ومتابعة سير المشاريع المختلفة.
- المجلس الاقتصادي: يتكون من رجال أعمال يهود وخبراء ماليين وصناعيين وتجاريين، ويختص باستثمار الأموال وتوجيهها لدعم مصالح المجتمع اليهودي.
- قسم "الجيل القادم": تأسس عام 1971 بهدف بناء جيل شاب قادر على دعم المنظمة وضمان استمراريتها، ونشط هذا القسم في مختلف دول العالم.
- قسم الدعاية والإعلام: يُعنى بأنشطة التواصل الإعلامي والترويجية للمنظمة.
- قسم شؤون الشباب: يُركز على برامج وأنشطة الشباب لضمان مشاركتهم وتفاعلهم مع أهداف المنظمة.
وضعت منظمة كيرين هايسود جملة من الأهداف لتحقيقها، من أبرزها:
إعلان
- زيادة هجرة اليهود إلى فلسطين.
- تطوير وتحسين الاستيطان اليهودي.
- شراء الأراضي واستصلاحها لصالح اليهود.
- إنشاء وتطوير البنية التحتية بما في ذلك شق الطرق، وبناء السكك الحديدية والموانئ والجسور واستغلال الموارد المائية لخدمة المصالح اليهودية.
- تنمية المدن وتطوير الصناعة والحرف اليدوية لتلبية احتياجات السكان اليهود.
- بناء المساكن لتوطين اليهود في فلسطين.
- تقديم القروض الميسرة والدعم المالي لمساعدة اليهود المهاجرين على الاستقرار والاندماج.
- تدريب الأجيال الشابة على الزراعة وتربية المواشي والدواجن.
- توظيف العمال اليهود في مختلف المجالات لدعم الاقتصاد اليهودي في فلسطين.
سُجلت المنظمة رسميا في سجل الشركات التجارية والمالية في المملكة المتحدة يوم 23 مارس/آذار 1921، بصفتها شركة مساهمة محدودة الضمان، دون رأس مال أو أسهم، تحت اسم "صندوق تأسيس فلسطين"، وعرفت بالعبرية باسم "كيرين هايسود ليميتد".
ويُوضح القانون الذي نظم عملها أن المنظمة كيان مستقل قانونيا، لا ينتمي إلى الحركة الصهيونية العالمية أو أي هيئة أخرى، مما منحها القدرة على إدارة شؤونها المالية والإدارية بشكل مستقل وفق أهدافها الخاصة.
المقراتخذت المنظمة من لندن مقرا رئيسيا لها، وفي 1926 نقلته إلى مدينة القدس. وأوكلت مهمة الإشراف على المقر في فلسطين إلى "اليشوف اليهودي" (كلمة عبرية تعني التوطن أو السكن، وهي تشير إلى الجماعات اليهودية التي تستوطن فلسطين لأغراض دينية)، ويدار المقر عبر مجلس اللجنة القومية الصهيونية (فاعد ليؤومي).
وعمل هذا القسم على ضمان مشاركة جميع اليهود بفلسطين في دعم أنشطة المنظمة، وتنظيم متطوعين لجمع الأموال داخل المستوطنات والتجمعات اليهودية.
لاحقا، توسعت المنظمة وأنشأت فروعا في نحو 45 دولة، كان أبرزها فرع الولايات المتحدة الأميركية، نظرا للدور المحوري الذي اضطلع به اليهود هناك في دعم إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين. وأسس هذا الفرع اليهودي الأميركي لويس لبسكي، بينما اختير صموئيل أونترماير رئيسا له، وعُيّن عمانوئيل نيومان مديرا عاما.
وكان ليهود الولايات المتحدة دور مالي بارز، إذ أسهموا بحوالي 66% من إيرادات المنظمة في الفترة بين 1921 و1948، مقابل نحو 14% فقط من يهود أوروبا.
كما كان لفرع أوروبا، الذي يقع مقره في برلين، دور مهم في تنظيم الدعاية لأنشطة المنظمة ومتابعة مهامها، وقد أُسندت إدارته إلى اليهودي آرثر هانتك حتى عام 1926.
مشاريع وأنشطة المنظمةخصصت المنظمة الأموال التي جمعتها (نحو 140 مليون دولار قبل عام 1948 و1.62 مليار دولار بعد إعلان قيام إسرائيل) لدعم مؤسسات أساسية من ضمنها "الهستدروت" و"الوكالة اليهودية"، سعيا لترسيخ الوجود الصهيوني في فلسطين.
وقد مكنت تلك الاستثمارات الحركة الصهيونية من تنفيذ مشاريع استيطانية واسعة النطاق، أسهمت بشكل مباشر في تعزيز حضور اليهود في فلسطين.
ففي الفترة من 1921 حتى 1946، خصصت المنظمة نحو 18% من ميزانيتها لدعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بينما ذهبت النسبة الباقية لشراء الأراضي وإقامة المؤسسات الصهيونية.
وفي ثلاثينيات وأربعينيات القرن الـ20، أسهم الصندوق في مساعدة اليهود الفارين من ألمانيا النازية على الهجرة إلى فلسطين. كما أسس نحو 203 مستوطنات زراعية امتدت على مساحة 661 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وسكنها حوالي 77 ألف يهودي.
وبين عامي 1947 و1948، خُصص أكثر من ثلث ميزانية الصندوق لشراء الأسلحة وتوفير الدعم للمستوطنات اليهودية وتحصينها.
بعد إعلان قيام إسرائيل في مايو/أيار 1948، ركزت "كيرين هايسود" على ما يلي:
- تمويل استيعاب موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين التاريخية.
- دعم التوسع الاستيطاني.
- جمع التبرعات لصالح الجيش الإسرائيلي.
- إعادة تأهيل العشرات من الأحياء الإسرائيلية الفقيرة.
- إقامة مشاريع تعليمية وثقافية متنوعة.
إعلان
أشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن المنظمة أسهمت منذ 1948 في جلب نحو 3 ملايين مهاجر إلى إسرائيل، إضافة إلى إقامة حوالي 500 مستوطنة، وتأهيل نحو 100 حي فقير من خلال مشروع "إعادة تأهيل الأحياء".
كما مولت أكثر من 1400 مشروع اجتماعي وتعليمي، وقدمت منحا مالية لدعم مجالات البناء والتجديد وخدمة المجتمعات الهشة، ورعاية الشباب ذوي الدخل المحدود، وتعزيز التواصل بين يهود إسرائيل والمجتمعات اليهودية في الخارج.
وكان للمنظمة دور محوري في تأسيس عدد من المؤسسات التي شكلت البنية التحتية لقيام إسرائيل وتطويرها، أبرزها:
- الجامعة العبرية في القدس.
- شركة الطيران "أفيرون" (التي أصبحت لاحقا العال).
- شركة الكهرباء الإسرائيلية.
- شركة أعمال البحر الميت.
- بنك لئومي.
- مدرسة بتسلئيل للفنون.
- شركة المياه "مكوروت".
- تطوير ميناء تل أبيب.
- شركة الملاحة "تسيم".
نشطت منظمة "كيرن هايسود" بشكل ملحوظ أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي مايو/أيار 2025 كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن المنظمة جمعت نحو مليار شيكل من متبرعين يهود حول العالم، وخصصت هذه الأموال لمشاريع إعادة تأهيل المصابين الإسرائيليين أثناء الحرب، ودعم عائلات القتلى، وإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، إضافة إلى برامج الدعم النفسي وتعزيز قدرات المستشفيات.
كما نظمت زيارة لـ130 متبرعا من أستراليا والمكسيك إلى إسرائيل، والتقى المشاركون بعائلات القتلى وتجولوا في المناطق الجنوبية والشمالية، للاطلاع على آثار الحرب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، كشف موقع "بروليتارين" الإلكتروني السويدي عن جمع المنظمة أموالا لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر حملات بالتعاون مع منظمات محلية تعرف نفسها بـ"الهيئة الخيرية للجيش الإسرائيلي".
وأشار الموقع إلى أن الفرع السويدي للمنظمة، "إسرائيل إنساملينغن"، أسهم في تجنيد جنود للانضمام إلى جيش الاحتلال، ومول مراكز علاج نفسي لجنوده.
كما جمعت المنظمة تبرعات لشراء معدات طبية مثل حقائب الإسعافات الأولية، والأربطة الضاغطة، وأجهزة حماية الأذن، موجهة مباشرة لدعم الجيش.
على خلفية هذه الأنشطة، فتحت الشرطة السويدية تحقيقا رسميا، بعد تقديم بلاغ من الناشط الفلسطيني طه خطاب، الطالب في جامعة يوتيبوري، للتحقق من طبيعة هذه العمليات.
المصدر: الصحافة الإسرائيلية + مواقع إلكترونية
إقرأ المزيد


