الجزيرة.نت - 11/23/2025 6:27:57 PM - GMT (+3 )
Published On 23/11/2025
|آخر تحديث: 18:09 (توقيت مكة)
شارِكْ
تشهد الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية ظاهرة تُعرف باسم "الحمل الوحشي" (wild pregnancy)، وهي حركة تشجع النساء على خوض الحمل والولادة من دون أي متابعة طبية، بدعوى "العودة إلى الطبيعة" و"استعادة الحكمة الأنثوية".
وتروّج لهذه الممارسات سيدتان تحولتا إلى مؤثرتين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث باتتا تشجعان النساء على رفض الفحوصات الطبية، وتجاوز الاستشارات، والاعتماد على "الحدس" في خوض الحمل.
ومع تصاعد الجدل، أجرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تحقيقا استقصائيا امتد عاما كاملا، توصلت فيه إلى أن هذه الحركة "لم تعد مجرد فلسفة بديلة"، بل تحولت إلى مشروع تجاري ضخم يدرّ ملايين الدولارات، بعد أن بدأت "القائدتان" في بيع دورات تدريبية واستشارات روحية بأسعار مرتفعة تصل إلى آلاف الدولارات للمرأة الواحدة.
وبحسب التحقيق، أنشأت المؤثرتان مجموعات مغلقة على "إنستغرام" و"تيك توك" تضم آلاف المتابعات، وعرضتا برامج تعتمد على التأمل والروحانيات، وتعد النساء بأن الحدس وحده قادر على قيادة عملية الولادة دون تدخل طبي. وتقدّر تقارير صحفية أن أرباح هذا النوع من المحتوى تجاوزت 7 ملايين دولار خلال عامين، بينما وصفت نقابات طبية هذا التوجه بأنه "عودة خطيرة إلى ما قبل الطب الحديث".
"الولادة الحرة" في قلب العاصفةA remarkable and shocking investigation by @sirin_kale and @lucy_osborne. “There’s an overall assumption that death is the wrong outcome,” she said. “And I don’t think that can really ever be true.” https://t.co/Ub488uTVLJ
— BirthTrauma (@BirthTrauma) November 22, 2025
يُعد مجتمع "الولادة الحرة" (Free Birth Society – FBS) في ولاية نورث كارولينا الأميركية من أكثر الجهات تأثيرا في نشر فكرة الولادة دون إشراف طبي. وتقود المجتمع المدونتان إميلي سالدايا ويولاند نوريس-كلارك، اللتان تحولتا إلى مؤثرتين عالميتين عبر بودكاست المؤسسة، الذي حصد ملايين التنزيلات. وتبيع المؤسسة دليلا مصورا للولادة المنزلية دون قابلة، إلى جانب عضويات مدفوعة ومدارس إلكترونية لتدريب ما تسميه "القابلات الأصيلات" و"حارسات الولادة"، برسوم تصل إلى 12 ألف دولار للدورة الواحدة.
إعلان
وقدرت "ذا غارديان" أن مجتمع "الولادة الحرة" حقق منذ 2018 أكثر من 13 مليون دولار من الإيرادات. كما تشير البيانات إلى تخرج نحو ألف طالبة من مدرسة "حرّاس الولادة الأصولية" (Radical Birth Keeper)، إضافة إلى معهد "ماتري بيرث ميدوايفيري" (MatriBirth Midwifery)، وهو برنامج سنوي عبر الإنترنت تبلغ كلفته 12 ألف دولار.
ويأتي هذا الانتشار مستفيدا من التراجع المتزايد في الثقة بخدمات الأمومة التقليدية، سواء بسبب قصص الإهمال الطبي أو العنف التوليدي في بعض المرافق. وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن سالدايا ونوريس-كلارك تستغلان هذه المخاوف، وتشنّان هجوما مباشرا على الأطباء والممرضات، متهمتين إياهم بـ"تخريب" الولادات و"الاعتداء على النساء"، وباستخدام تدخلات تضر المرأة أكثر مما تفيدها.
لكنّ نساء كثيرات -بحسب التحقيق- دفعن ثمن هذه التوجيهات غاليا.
48 حالة وفاة.. وإصابات خطيرةتقول "ذا غارديان" إن القائمين على التحقيق راجعوا مئات الساعات من فيديوهات مجتمع "الولادة الحرة"، وآلاف الصفحات من سجلات طبية وبيانات قانونية، وأجروا مقابلات مع أكثر من 60 أما تأثرن بتوجيهات الحركة.
وكشف التحقيق عن 48 حالة ولادة انتهت بوفاة الجنين أو إصابات خطيرة للأمهات في دول متعددة، من الولايات المتحدة إلى كندا وفرنسا وسويسرا والهند وجنوب أفريقيا وأستراليا والمملكة المتحدة. وفي 18 حالة، أكّدت الأمهات أن قراراتهن أثناء الولادة كانت نتيجة مباشرة لتعليمات الحركة.
ومن بين أكثر القصص إثارة للصدمة، حالة غابرييل لوبيز من ولاية بنسلفانيا الأميركية، التي تعثر مخاضها فيما كانت تمارس "الولادة الحرة"، ما أدى إلى إصابة طفلها بضرر دماغي دائم، بينما كانت تتلقى نصائح عبر الإنترنت تطالبها "بالانتظار والصبر" وعدم الذهاب إلى المستشفى.
معلومات مضللة قد تقتل!وبحسب "ذا غارديان" فقد أجمع 4 خبراء طبيين راجعوا محتوى "الولادة الحرة" على أن المؤسسة تقدم مواد "خطيرة" وغير علمية. وأشاروا إلى أمثلة صادمة، منها:
- الادعاء بأن قطع الحبل السري لا ينطوي على أي خطر للعدوى.
- تعليمات خاطئة للتعامل مع حالة عسر ولادة الكتف، وهي حالة قد تودي بحياة الجنين خلال دقائق.
- الدعوة إلى نهج "سلبي" في إنعاش الأطفال حديثي الولادة، رغم أن التأخر في التدخل يؤدي إلى تلف عصبي طويل الأمد أو الوفاة.
ويقول الأطباء إن مضاعفات مثل تسمم الحمل، والنزيف الحاد، وتعسر المخاض، تحتاج إلى تدخل طبي فوري، وإن استخدام نصائح الحركة بدلا من الطب قد يكون قاتلا في غضون دقائق.
ردود الحركة: "نحن مخرّبات، وسيشوهوننا"ورغم الانتقادات المتزايدة، واصلت قائدات الحركة الدفاع عن مشروعهن. فقد امتنعت سالدايا ونوريس-كلارك عن الرد مباشرة على استفسارات الصحيفة، قبل أن تنشرا لاحقا توضيحا عبر "إنستغرام" تقولان فيه إن محتواهما "تعليمي فقط".
وفي منشور آخر، وصفت نوريس-كلارك منتقديها بأنهم "فاشلون مثيرون للشفقة"، وقالت إن مجتمع "الولادة الحرة" من أكثر "الأعمال أخلاقية التي يمكن أن يديرها المرء".
أما سالدايا، فاتهمت الصحافة بـ"التضليل"، وكتبت "هذا ما يعنيه أن تكون مخربا… سيحاولون تشويه سمعتك، وسيكذبون عليك، وسيحاولون إسكات ما لا يفهمونه".
بين التجارة والمخاوف الصحيةيرى الخبراء أن انتشار هذه الحركات يعكس أزمة ثقة حقيقية في أنظمة رعاية الأمومة، لكنها في الوقت نفسه تُظهر -بصورة خطيرة- سهولة تحويل القلق البشري إلى تجارة مربحة تعتمد على التأثير العاطفي والروحاني.
إعلان
ويؤكد الأطباء أن أي نقد للنظام الطبي لا يبرر التخلي الكامل عن المتابعة الصحية خلال الحمل، خاصة أن معظم المضاعفات لا تظهر إلا عبر فحوصات مخبرية وصور طبية قد تنقذ حياة الأم وطفلها.
ومع استمرار الحركة في التوسع، يزداد عدد الدعوات لفرض رقابة قانونية على هذا النوع من المحتوى، خاصة عندما يؤدي إلى قرارات قد تكون مميتة.
إقرأ المزيد


