الجزيرة.نت - 11/23/2025 7:33:22 PM - GMT (+3 )
أنقرة- تتجه أنظار الساحة السياسية التركية إلى أنقرة حيث يعقد حزب الشعب الجمهوري المعارض مؤتمره العام الـ39 في الفترة من 28 إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في محطة مفصلية يُتوقع أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة للمعارضة.
ويكتسب هذا المؤتمر أهمية استثنائية لكونه الأول بعد الانتخابات المحلية التي حقق فيها الحزب انتصارا واسعا، ويأتي وسط متغيرات داخلية وضغوط سياسية وقضائية متصاعدة، وينتظر أن يحمل المؤتمر تجديدا واسع النطاق في البنية القيادية والبرنامج السياسي، في تحول هو الأول من نوعه منذ نحو 17 عاما.
وتتصدر المشهد نقاشات حول إدماج شخصيات قادمة من خلفيات يمينية في القيادة، في مسعى لإعادة تشكيل خارطة التحالفات عبر ما يوصف بـ"تحالف شعبي داخلي" بديلا عن الصيغ التقليدية السابقة.
ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر الكشف عن برنامج سياسي جديد يتناول ملفات الدولة الاجتماعية، والديمقراطية، والاقتصاد، إلى جانب التنمية، والسياسة الخارجية، في أول مراجعة شاملة للخطاب الحزبي منذ عام 2006.
يرتقب أن يجدد المؤتمر العام الـ39 الثقة بزعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، في ظل غياب أي منافسة داخلية تُذكر.
وتشير تسريبات من كواليس الحزب إلى أن أوزيل يستعد لإجراء تغييرات ملموسة في تركيبة القيادة، عبر الدفع بوجوه جديدة إلى عضوية مجلس الحزب واللجنة التنفيذية، ضمن مزيج من الكفاءات الشابة والكوادر المخضرمة.
ومما يلفت الانتباه في هذه التشكيلة المرتقبة هو انفتاح الحزب على ضم شخصيات ذات خلفيات يمينية ووسطية، كانت في السابق جزءا من أحزاب متحالفة مع المعارضة، مثل "الديمقراطية والتقدم"، و"المستقبل"، وحزب "الجيد".
وتعد هذه الخطوة انعطافة إستراتيجية من نموذج "تحالف الأحزاب" الذي ساد في انتخابات 2023 إلى صيغة "تحالف القواعد الشعبية" داخل الحزب نفسه، فبعد انهيار تحالف الأمة وفشل المعارضة في الوصول إلى السلطة، يعيد حزب الشعب الجمهوري النظر في جدوى التحالفات الحزبية التقليدية، مفضلا التركيز على استيعاب الطيف الأوسع من القواعد الاجتماعية.
يأتي مؤتمر حزب الشعب الجمهوري المرتقب متسلحا بأكثر من مجرد تغييرات تنظيمية، إذ يمثل أيضا لحظة مفصلية لإعادة صياغة البرنامج السياسي للحزب لأول مرة منذ عام 2006، في خطوة طال انتظارها لإعادة تموضع المعارضة في مشهد سياسي داخلي ودولي متغير.
إعلان
ووضعت قيادة الحزب هذا التجديد ضمن أولوياتها خلال الأشهر الماضية، وكلفت لجنة خاصة برئاسة الأمينة العامة "سيلين سايك بوكه" بإعداد مسودة شاملة عرضت للنقاش داخل ورش حزبية مغلقة في سبتمبر/أيلول الماضي، ومن المقرر طرح الوثيقة الجديدة للتصويت في اليوم الأول من المؤتمر، ما يمنحها زخما رمزيا كبداية لمرحلة سياسية جديدة.
ويعكس البرنامج المرتقب توجها لتحديث الخطاب السياسي والمعيشي للحزب استنادا إلى قراءة نقدية للتحديات الراهنة، إذ يغطي محاور أساسية تشمل تعزيز الديمقراطية والإصلاحات السياسية، وإنعاش الاقتصاد والتنمية المستدامة، وضمان عدالة اجتماعية أشمل، وتحسين الخدمات في التعليم والصحة، إلى جانب تعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد، وتحديد أطر أكثر اتزانا للسياسة الخارجية.
يتجه الحزب لحسم حزمة من الترتيبات التنظيمية، أبرزها طي صفحة نموذج "حكومة الظل" الذي اعتمده في السنوات الماضية، مع تقليص حجم اللجنة التنفيذية من 24 عضوا إلى نحو 13- 14 عضوا لتشكيل فريق قيادي مصغر وأكثر فاعلية يعمل بتنسيق مباشر مع رئيس الحزب.
ووفق ما يتداول داخل الحزب، يرتبط هذا التغيير أيضا بموقع المرشح الرئاسي، إذ يُراد نقل ثقل إعداد التشكيلة الوزارية المقترحة إلى مكتب المرشح الرئاسي وفريق حملته، مع إلحاق عدد من كوادر "وزراء الظل" بهذا المكتب، بحيث يتركز دور الحزب على الإسناد التنظيمي وحشد القاعدة الانتخابية، في تحول عن منطق توزيع المناصب الرمزية إلى بناء كتلة انتخابية داخلية متماسكة خلف المرشح وبرنامجه.
بالتوازي، سينتخب مجلس حزبي جديد من 60 عضوا ولجنة انضباط من 15 عضوا وفق نظام القائمة المفتوحة ما لم يقرر غير ذلك، مع توقع تقديم أوزغور أوزيل "قائمة مفتاح" قد تنافسها قوائم مدعومة من تيارات أخرى.
كما يُنتظر انتخاب رئيس الحزب في اليوم الثاني للمؤتمر عبر اقتراع سري يشارك فيه نحو 1300 مندوب، في ظل ترجيحات بأن يكون أوزيل المرشح الوحيد نظرا لشرط جمع تواقيع 5% من المندوبين للترشح.
يشير عضو حزب الشعب الجمهوري في مدينة بورصة برهان الدين يلتشين، إلى أن الاتجاه نحو تقليص حجم اللجنة التنفيذية إلى فريق مصغر يأتي استجابة لحاجة ملحة لوجود مركز قرار منضبط وقادر على التحرك السريع في ظل أجواء سياسية ضاغطة.
أما على صعيد التوازنات الداخلية، فيرى يلتشين في حديث للجزيرة نت، أن الحزب يسعى من خلال هذه التغييرات إلى بناء تحالف داخلي أكثر تماسكا، قادر على استيعاب الطيف الواسع من التيارات التي يضمها الحزب اليوم، من اليسار الاجتماعي إلى التيار القومي المعتدل، مرورا بالكفاءات القادمة من أحزاب يمينية سابقة.
ويخلص يلتشين إلى أن هذه الخطوات تمثل "إعادة ترتيب واعية للبيت الداخلي" قبل دخول مرحلة سياسية مفصلية، مشددا على أن الحزب يسعى لبناء قيادة أصغر وأكثر تجانسا، وقادرة على خوض معركة الحكم ببرنامج موحد وتحالف داخلي متماسك.
في السياق، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن التغييرات التي يخطط لها حزب الشعب الجمهوري تعكس محاولة انتقال مدروسة من موقع المعارضة التقليدية إلى تقديم نفسه كبديل جاهز للحكم، لكنها لا تزال في مرحلة التشكل.
إعلان
واعتبر أن هذه التغييرات موجهة أيضا إلى بقية أحزاب المعارضة، بهدف ترسيخ موقع الحزب بوصفه "المحور الرئيسي" لأي جبهة انتخابية في 2028، خاصة مع تراجع وزن الأحزاب الصغيرة وتباعد التنسيق مع حزب "الجيد"، مقابل تقارب محسوب مع التيار الكردي.
ويلفت سراج أوغلو إلى أن قدرة الحزب على لعب هذا الدور ستتوقف على مدى نجاحه في الحفاظ على تماسكه الداخلي، وإدارة خلافات أجنحته.
ويخلص إلى أن الحزب يقف أمام فرصة لإعادة تعريف نفسه كقوة جاهزة للحكم، لكن نجاح هذا التحول سيعتمد على قدرته في تجاوز الضغوط السياسية والقضائية، وصياغة خطاب موحد يعيد ترتيب المعارضة ويمنحها قيادة واضحة قبل انتخابات 2028.
إقرأ المزيد


