ولي عهد المغرب واستراتيجية إعداد ملك المستقبل
إيلاف -

إيلاف من الرباط: خصصت صحيفة "الأيام" الأسبوعية المغربية ملف عددها الأخير لولي العهد المغربي الأمير مولاي الحسن، مركزة على حياته الطلابية، وتحضيره للدكتوراه.

وتصدرت غلاف الصحيفة صورة لولي العهد، مع عنوان رئيسي يقول: "كل شيء عن الحياة الطلابية لولي العهد". وتناولت الصحيفة ملفها من ثلاث زوايا، جاءت في شكل أسئلة: "هل يخضع ولي العهد لنفس المقررات الجامعية أم أن له مسار خاص منسجم مع مهمته الكبرى؟"، و"كيف يتقاطع التكوين الجامعي مع المسار العسكري للكولونيل ماجور (العميد) مولاي الحسن؟"، و"زمالة استثنائية وبرتوكول خاص بالجامعة وباحثون وخبراء عالميون". وأوضحت أن الأمير مولاي الحسن يستعد لافتتاح فصل جديد في مساره الأكاديمي، من خلال التحضير لرسالة دكتوراه في مجال العلاقات الدولية والعلوم الجيوستراتيجية، بعد أن راكم تجربة جامعية متميزة بسلك الماستر بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات.


مع والده الملك محمد السادس 

وبالنسبة لـ"الأيام"، فقد رافقت المسار الدراسي لولي العهد أسئلة كثيرة، حول الطلبة الذين يرافقونه في مشواره الدراسي، وكيف يتم اختيارهم، وطبيعة الدروس التي يتلقاها في تكوينه الأكاديمي، وما إن كان يخضع لنفس الدروس والامتحانات التي يخضع لها زملاؤه، ثم عن الأساتذة الذين يشرفون على تكوينه وتأطير أبحاثه. وهي أسئلة من شأن الإجابة عنها أن ترسم ملامح تجربة تعليمية استثنائية لا تنفصل عن تقاليد المؤسسة الملكية في إعداد ملوك المستقبل، لكنها تنفتح، في الوقت نفسه، على فضاءات أكاديمية حديثة، تختلط فيها الندية بالرمزية، ويجتمع فيها التكوين الصارم مع طموحات البحث العلمي في قضايا السياسة والحوكمة والعلاقات الدولية.

مسار أكاديمي

عادت "الأيام"، في مستهل ملفها، إلى 9 أكتوبر 2008، وهو اليوم الذي ولج فيه الأمير مولاي الحسن المعهد المولوي (المعهد الملكي) بالقصر الملكي، وهو المعهد الذي أسسه الملك الراحل محمد الخامس في أربعينيات القرن الماضي لتمكين الأمراء من الإعداد المناسب لتحمل المسؤولية، من خلال نظام تعليمي صارم ودقيق. ففي ذلك اليوم، تضيف الصحيفة، وتحت أنظار زملائه وأساتذته "ظهر ولي العهد، يرتدي معطفا أسود وقميصا أبيض، واقفا يتسلم الاسم، الذي سينادى به عليه زملاؤه في الدراسة "سميت سيدي" اللقب التقليدي الذي يلازم الابن البكر في الأسرة العلوية، والذي ورثه عن والده وجده، في تكريس لاستمرارية رمزية تعكس عمق تقاليد المؤسسة الملكية". وبعد 12 عاما من ولوجه المعد المولوي، سيعلن وزير التربية الوطنية عن نيل الأمير مولاي الحسن شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) الدولية، خيار "العلوم الاقتصادية والاجتماعية" بميزة حسن جدا. وبعد بضعة أشهر من ذلك، سيعلن رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية عن "شرف استقبال صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن" ضمن صفوف الطلبة؛ وهو إعلان كان "إيذانا ببداية مرحلة جامعية ستركز على الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية، في تكامل مع التكوين الملكي التقليدي الذي سبق أن تلقاه، لتمنحه بذلك مزيجا فريدا من التقاليد المخزنية والحداثة الأكاديمية، يؤهله لتحمل مسؤوليات الحكم في سياق محلي وإقليمي معقد".

مرتديا بدلته العسكرية إعداد ملك المستقبل

أشارت "الأيام" إلى أن التكوين الذي يتلقاه ولي العهد هو "جزء من استراتيجية إعداد ملك المستقبل"، وبالتالي هو "استثمار في رمز الدولة المقبل". وعلى غرار والده، وجدّه الحسن الثاني، تضيف الصحيفة فقد "تلقى مولاي الحسن تعليما يجمع بين الصرامة التقليدية والانفتاح على اللغات والثقافات"، مع "التركيز على التكوين المدني والأكاديمي، مقرونا بحضور بروتوكولي ودبلوماسي لافت"، حيث أن الأمير يشارك بانتظام في قمم دولية، ويظهر بجانب الملك في المناسبات الكبرى، الشيء الذي يعزز صورته كفاعل دبلوماسي قيد التكوين.

ولي العهد المغربي في استقبال ملك إسبانيا وقرينته  منعطف نوعي

شكل التحاق الأمير مولاي الحسن بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية "منعطفا نوعيا في فلسفة تكوين ولاة العهد بالمملكة"، من منطلق أن المسار الأكاديمي بهذه الجامعة الخاصة غير الربحية والمدعومة من المكتب الشريف للفوسفات، يقدم "نموذجا رائدا للتعليم العالي الحديث بالمغرب"، حيث يشمل برنامجه مقررات في الاقتصاد والعلوم السياسية والقانون والعلاقات الدولية والفكر الاجتماعي، يخضع لها جميع الطلبة من دون استثناء، بما يضمن مساواة شكلية بين ولي العهد وزملائه، إذ يفترض، داخل مدرجات الكلية، أن يتابع الأمير نفس الدروس، ويلتزم بالتقييمات والامتحانات نفسها، بشكل يمنح حضوره بعدا رمزيا يعكس "صورة طالب، لا يميزه أي شيء عن باقي الطلبة". وفي هذا الصدد، نقلت "الأيام" عن مصادر تحدثت إليها، أنه يبقى من الصعب تصور أن يقتصر مسار ولي العهد على المقررات وحدها، إذ أن هناك تكوينا موازيا يضم محاضرات خاصة يؤطرها أساتذة مرموقون وخبراء دوليون في قضايا الحوكمة والدبلوماسية، وورشات مغلقة حول البروتوكول الدولي، والتفاوض، والأمن الاستراتيجي والعلاقات الجيوسياسية. كما يتضمن لقاءات عملية مع مسؤولين سياسيين واقتصاديين داخل المغرب وخارجه، إلى جانب مواد إضافية لا تتاح لبقية الطلبة، مثل تاريخ المؤسسة الملكية، والدبلوماسية الملكية المغربية، والملفات الاستراتيجية الكبرى للدولة، خصوصا الصحراء، إفريقيا، الطاقة والمناخ.
وتَخلص "الأيام" إلى أن هذا المزج بين التعليم الجامعي العادي والتكوين الموازي "يترجم فلسفة المؤسسة الملكية وهدفها المتمثل في ضمان إدماج ولي العهد في تجربة طلابية طبيعية، مع ضمان حصوله على تكوين استراتيجي يعده لقيادة الدولة".

مستقبلا الرئيس الصيني في مطار الدار البيضاء واجهة المغرب الجديد

توسعت "الأيام" في الحديث عن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، باعتبارها "واجهة لـ"المغرب الجديد"، بما تعنيه من انفتاح على التخصصات الحديث وتجريب بيداغوجي (تربوي) متطور". وركزت على ما يمنح هذا التميزللجامعة، بداية من برنامج الماستر المتقدم، والذي يجمع بين التكوين النظري الصارم والتطبيق العملي، ويفتح أمام الطلبة، وفي مقدمتهم ولي العهد، مسارات نحو الدبلوماسية، ومراكز التفكير وصنع القرار. وبهذا التصور، يتحول برنامج الماستر، الذي تشارك فيه نخبة من الأساتذة الدائمين والزائرين من ذوي الخبرة الطويلة في مجالات العلاقات الدولية، والعلوم السياسية والاقتصاد، إلى فضاء أكاديمي يجمع بين صرامة المعرفة، وقوة المهارة العملية، والانفتاح على القضايا العالمية، ليشكل بالفعل "واجهة للجامعة المغربية ورهانا على إعداد نخب قادرة على مواجهة تحديات المستقبل".


يلتقط صورة سيلفي مع والده وشقيقته الأميرة لالة خديجة  دبلوماسية أكاديمية

توقفت "الأيام"، في سياق تناولها للمسار الأكاديمي المقترح في سلك الماستر، عند الدينامية الجامعية الخاصة التي ينفتح من خلالها التكوين، حيث يلتقي الطلبة بباحثين وخبراء عالميين يثرون التجربة التعليمية ويمنحونها أبعادا جديدة. واستعرضت الأسبوعية، في هذا الصدد، عددا من أسماء الزائرين من جامعات ومراكز بحث مرموقة، الذين استضافتهم الجامعة بتزامن مع متابعة ولي العهد لدراساته في سلك الماستر، من بينهم البروفيسور إيفان ليبرمان، مدير مركز الدراسات الدولية بمعهد "إم إي تي" الأميركي، والدكتور أنطوني هالوج، الخبير السويسري في مجال الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة، والبروفسور المغربي الأصل الحاج لعمري، والخبير السنغالي بكاري صامب، مدير مركز "تمبوكتو" للدراسات الاستراتيجية؛ فضلا عن العالم الأميركي ويليام فيليبس، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء (1997).

ولم تكن هذه اللقاءات، تضيف "الأيام"، مجرد أنشطة أكاديمية عابرة، بل جسدت رهان الجامعة على جعل قضايا، مثل التغير المناخي والأمن الإقليمي والاقتصاد الدائري جزءا من تكوين الطلبة. وهي محاور ترتبط مباشرة باهتمامات العلاقات الدولية. ورأت أن "الأثر الأعمق لهذه التجربة يتجلى أيضا في كونها تضع الجامعة المغربية في قلب الدبلوماسية الأكاديمية"، ما دام أن استقطاب أسماء لامعة من مؤسسات عالمية مرموقة أو مراكز أبحاث إفريقية رائدة يجعل الحرم الجامعي "فضاء للتفكير العابر للحدود و"ساحة خلفية" لدبلوماسية موازية". وبالنسبة لولي العهد، تضيف "الأيام"، فهذه التجربة "تمنحه ليس فقط تكوينا أكاديميا صلبا، بل أيضا نافذة مباشرة على مدارس فكرية متعددة وأساليب بحث متقدمة، في انسجام مع رؤية ملكية تجعل من التعليم والبحث العلمي أحد أدوات القوة الناعمة المغربية".

يوزع المساعدات الغذائية على المحتاجين خلال شهر رمضان الماضي صقل المهارات

لم يتوقف التكوين عند حدود القاعات، بل امتد إلى فضاءات عملية أتاحت للطلبة، وفي مقدمتهم ولي العهد، اختبار الدبلوماسية في مختبرات محاكاة واقعية، من أبرزها محاكاة الاتحاد الإفريقي، التي احتضنتها الجامعة، تحت شعار 'إفريقيا الصاعدة: تعزيز السيادة، الحكامة، والتنمية المستدامة". وإلى جانب المضامين السياسية، تضيف الصحيفة، ركزت التجربة على صقل مهارات الطلبة في الخطابة العامة، والتفكير النقدي، والقدرة على الإقناع، وهي عناصر أساسية لأي شخصية قيادية أو فاعل سياسي في المستقبل.

بروتوكول خاص

تطرقت "الأيام" إلى الوضع الذي أصبح يعيشه الفضاء الجامعي منذ التحاق ولي العهد بالجامعة، ووصفته بالاستثنائي، حيث تم فرض "بروتوكولات غير مسبوقة". وأوضحت أن "احترام الخصوصية" صار داخل الأروقة والقاعات "أولوية قصوى"، وصاحب ذلك "إجراءات مشددة تمنع التصوير، وتضبط بدقة ما ينشر من أخبار أو صور". وأضافت أن "الغاية ليست أمنية فقط، بل حماية حق الطلبة – وفي مقدمتهم ولي العهد – في متابعة دراسته في ظروف طبيعية، بعيدا عن أعين الهواتف المحمولة".

وأضافت أن الحرص على "التحكم في الصورة" ليس جديدا، إذ دأب الديوان الملكي، منذ اليوم الأول لولي العهد في المعهد المولوي، مرورا بمحطات احتفالات نهاية السنة الدراسية، وصولا إلى إعلان حصوله على شهادة الباكالوريا، على "تولي مهمة صياغة وتوزيع المعلومات المرتبطة بالمؤسسة الملكية، في أسلوب يقوم على الانتقائية الدقيقة". ولذلك لم يخرج حضور ولي العهد في الجامعة عن هذا الإطار، حيث "تنشر بلاغات مقتضبة وصور رسمية مختارة بعناية، تكفي لإعلام الرأي العام دون الخوض في تفاصيل حياته اليومية داخل الحرم الجامعي".


ولي العهد المغربي يسلم جوائز في احدى مسابقات الفروسية  زمالة استثنائية

يتعلق الأمر، هنا بتقليد رسخه الملك الرحل الحسن الثاني، جرت العادة خلاله على أن يختار الملك مجموعة من أبناء الشعب لمرافقة الأمراء في مسارهم الدراسي، بعد اجتيازهم لاختبارات دقيقة تشمل الذكاء والقدرات المعرفية والنباهة الفكرية. أما الهدف فهو إتاحة احتكاك مباشر مع مغاربة من طبقات اجتماعية مختلفة، بما يخلق بيئة تعليمية تقوم على التنوع والندية، حيث يتقاسم ولي العهد المقاعد الدراسية مع زملاء بارزين.
في هذا السياق، لا تشكل كلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية استثناء من هذا التقليد، إذ يتميز جسمها الطلابي بتنوع واسع على مستويات متعددة، حيث تستقطب طلبة من مختلف ربوع المملكة، حرصا من الجامعة على "بناء فضاء أكاديمي متعدد الخلفيات". لذلك، يعكس الحرم الجامعي "فسيفساء اجتماعية لافتة، تجمع بين أبناء الاسر الميسورة وطلبة من أسر متوسطة أو محدودة الدخل يستفيدون من منح دراسية".

الأمير مولاي الحسن خلال زيارته لمعرض الفلاحة في مكناس كولونيل ماجور

مثلت ترقية الأمير مولاي الحسن إلى رتبة كولونيل ماجور (عميد) "تطورا تدريجيا يجمع بين تكوين علمي راسخ ودراسات عسكرية متخصصة، تعكس تكوينا متكاملا يؤهله لتحمل مسؤولياته المستقبلية على المستويين الوطني والدولي". وبحسب "الايام" ، فإن ترقية ولي العهد إلى رتبة كولونيل ماجور خلال حفل أداء اليمين من طرف الضباط الجدد أمام الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بالتزامن مع الاحتفالات الرسمية والشعبية بالذكرى الـ26 لعيد العرش، تؤكد "التزام ولي العهد بالمسار العسكري وتكوينه القيادي داخل المؤسسة العسكرية، بعد أن راكم تكوينا أكاديميا وميدانيا رفيع المستوى على مدى السنوات الماضية".

تجدر الإشارة إلى أن ولي العهد تلقى "تكوينا عسكريا صارما موازاة مع دراسته الأكاديمية، ما يجعله يجسد أحد أهم مقومات شخصية من ينتظر منه حكم المملكة، وفق معايير التكوين العلمي والميداني للقادة الذين يسيرون على خطى الملوك العلويين، فجده الملك الراحل الحسن الثاني تولى رئاسة أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، وأشرف على تأسيس النواة الأولى للجيش المغربي. أما والده الملك محمد السادس، فقد عين في 11 أبريل 1985 منسقا لمكاتب ومصالح القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، وتمت ترقيته في 12 يوليو 1994 إلى رتبة فريق أول".

وخلصت الصحيفة إلى أن ترقية الأمير مولاي الحسن تعد "ترجمة عملية للرؤية الاستراتيجية التي يعتمدها الملك محمد السادس في تأهيل الجيل الجديد من القيادة الملكية، وتأكيدا على ترسيخ تقاليد عسكرية عريقة".

رؤية ملكية

تحت عنوان "رؤية ملكية لتكوين نخب شابة"، شددت "الايام" على أنه "لا يمكن تناول المسار الأكاديمي لولي العهد من دون وضعه في سياق المشروع الأوسع الذي تجسده جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية"، إذ أن "هذه المؤسسة ليست مجرد فضاء للتكوين الجامعي، بل رهان استراتيجي للدولة في مجال البحث والابتكار". 
وفي هذا السياق، يكتسي اختيار ولي العهد متابعة دراساته العليا بهذه الجامعة "دلالات رمزية قوية"، فهو "لا يعكس مجرد مسار أكاديمي، بل يجسد رؤية ملكية لتكوين نخب مغربية شابة قادرة على التفاعل مع محيطها المحلي، ومواكبة لديناميات السياسة والاقتصاد والفكر على الصعيد العالمي".

وخلصت الصحيفة  إلى أن خصوصية خيار منح ولي العهد "بيئة تعليمية متقدمة، مع إبقائه مرتبطا بالمغرب وواقعه الاجتماعي والسياسي، على خلاف خيار الدراسة بالخارج"، تكمن في "ترسيخ نهج مغربي مختلف، إذ بينما يفضل أمراء في بلدان أخرى متابعة تعليمهم في الجامعات الأوروبية أو الأميركية، يظل أبناء العائلة الملكية في المغرب مرتبطين بالجامعات الوطنية، في تعبير عن رغبة ملكية في إبقاء الجيل الجديد قريبا من المجتمع ومنغمسا في بيئته الأكاديمية والثقافية".



إقرأ المزيد