الجزيرة.نت - 11/24/2025 8:39:51 PM - GMT (+3 )
Published On 24/11/2025
|آخر تحديث: 20:26 (توقيت مكة)
شارِكْ
صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيبدأ العمل على إنهاء الحرب في السودان بعدما طلب منه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المساعدة في وقف النزاع.
وقد حظيت تصريحات الرئيس ترامب باهتمام ملحوظ من وسائل الإعلام العالمية وطغت على ما سواها مما تضمنته أجندة ولي العهد السعودي في هذه الزيارة التي حوت العديد من الملفات المهمة، بعضها ثنائي، وبعضها إقليمي، وبعضها الآخر دولي.
وربما مرد هذا الاهتمام الواسع بما قاله ترامب عن الأزمة في السودان يرجع إلى تطاول أمد هذه الأزمة وانشغال العالم بها، خاصة بعد ما وقع في الفاشر من مجازر وانتهاكات مروعة ارتكبتها مليشيا الدعم السريع عقب دخولها الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد حصارها لأكثر من 18 شهرا، مما خلق أزمة إنسانية كبيرة وُصفت بأنها الأكثر مأساوية ودموية في العالم.
وأول ردود الفعل من قبل أطراف الأزمة السودانية، جاء من رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبدالفتاح البرهان، الذي غرد في حسابه الخاص بمنصة "إكس" قائلا: (شكرا سمو الأمير محمد بن سلمان، شكرا الرئيس دونالد ترامب).
كما أصدر مجلس السيادة الانتقالي بيانا رحب فيه بتدخل الرئيس ترامب، قال فيه: (ترحب حكومة السودان بجهود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية من أجل إحلال السلام العادل والمنصف في السودان، كما تشكرهم على اهتمامهم وجهودهم المستمرة من أجل إيقاف نزيف الدم السوداني).
وفي الطرف الآخر، جاء الرد من قبل جماعة (صمود) التي يترأسها حمدوك، وهي الذراع السياسي لمليشيا الدعم السريع، حيث ترى هذه الجماعة في الخطوة الأميركية مؤشرا على عودة اهتمام دولي حقيقي، ويمنح مسار المبادرة الرباعية قوة دفع إضافية قد تفضي إلى هدنة إنسانية عاجلة توقف استهداف المدنيين، وتسمح بوصول الإغاثة، بحسب حمدوك.
إعلان
وإلى جانب ذلك، رحب حزب الأمة القومي بالخطوة ووصفها بالإيجابية، وأنها تعزز الجهود الدولية لإنهاء معاناة السودانيين، وكذلك رحبت الحركة الإسلامية السودانية بتدخل ترامب وأصدرت بيانا ممهورا بتوقيع أمينها العام علي أحمد كرتي، أعرب فيه عن ترحيب الحركة بمبادرة الأمير محمد بن سلمان لدعم السودان وإحلال السلام، مؤكدا التزام الحركة بدعم الجيش السوداني، وتجديد العهد مع الشعب السوداني حسب نص البيان.
لكن حتى مساء الخميس 20 نوفمبر/تشرين الثاني، لم يصدر رد فعل من جانب قيادة مليشيا الدعم السريع، لا بالرفض ولا بالموافقة، وهو ما دأبت عليه حيال عديد المبادرات، حيث تتأخر في إبداء موقفها، لكن من المرجح أن تبدي قيادة الدعم السريع موقفها في غضون الأيام القادمة بالترحيب المشروط، الذي لن يذهب بعيدا عن نطاق ترحيب جناحها السياسي بقيادة حمدوك.
من المؤشرات التي تصب في اتجاه نجاح مبادرة السعودية هو أن الأزمة السودانية أصبحت تحت الأضواء الكاشفة، ويأتي اهتمام الرئيس ترامب بها ووعده بحلها ليسلط المزيد من الأضواء عليها
ولما كان الوقت مبكرا للحكم على مآلات ومصير المبادرة، إلا أنه يمكن إيراد خطوط عريضة تصلح لتكون مؤشرات دالة على إمكانية نجاح المبادرة في إحلال السلام ووقف الحرب باتفاق يستطيع الصمود، ويسكت أصوات البنادق، ويضع حدا لمعاناة السودانيين.
أولى المؤشرات يتمثل في هذا الترحيب الواسع الذي وجدته المبادرة من الأطراف المعنية بالأزمة، بالرغم من وجود تباين في زوايا النظر إلى المبادرة من قبل هذه الأطراف.
ففي حين أن الأطراف الموالية لمليشيا الدعم السريع ترى فيها إحياء للرباعية ببنودها وبأطرافها، فإنه في الجانب الآخر ترى الحكومة السودانية والقوى السياسية الموالية لها وللجيش أن المبادرة لا تمثل الرباعية، كما أنها ترفض أن يكون هناك مستقبل لمليشيا الدعم السريع وذراعها السياسي في مستقبل الحياة السياسية في السودان، باعتبار أن المليشيا منظمة إرهابية، وأن جماعة صمود غير مؤهلة أخلاقيا لممارسة دور سياسي؛ بسبب موقفها الداعم للدعم السريع، وأنها غير مقبولة شعبيا.
ورغم هذا التباين الكبير بين الجانبين الذي قد يمثل عقبة في مسار المبادرة نحو الوصول إلى هدفها وهو إحلال السلام، فإنه من الممكن التغلب عليها بما للرئيس ترامب من نفوذ لدى القوى الإقليمية الداعمة لمليشيا الدعم السريع، عبّر عنه في مناسبات عديدة، مما يمكّنه من تجاوز هذه العقبة التي طالما كانت هي العائق الأكبر للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب ويوقف نزيف الدم، وهو أمر إذا تم تحقيقه يُضاف إلى رصيد الرئيس ترامب في مساعيه المعلنة لوقف الحروب حول العالم ونشر السلام كهدف تتبناه إدارته.
وهناك أيضا تغيرات على الصعيد الإقليمي بدأت تطرأ على مواقف عدد من دول جوار السودان ومحيطه الأفريقي، تسير في اتجاه الكف عن مساندة مليشيا الدعم السريع بفتح أراضيها لتمرير الدعم اللوجيستي لها وتجنيد المرتزقة للقتال في صفوفها.
وتجلى ذلك بوضوح في التطورات الداخلية التي حدثت بدولة جنوب السودان مؤخرا، ما عُد أنه إضعاف لمراكز القوى المتعاونة مع مليشيا الدعم السريع، وتقوية لتلك التي تتبنى سياسة حسن الجوار مع السودان ودعم سلامة ووحدة أراضيه.
يضاف إلى ذلك إجازة قمة منظمة دول البحيرات الكبرى في دورتها التاسعة، التي عُقدت الأحد 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في الكونغو، توصيات مقدمة من المجلس الوزاري للمنظمة بتصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية، والتي تنوي حشد الجهود بمجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي؛ لإدانة الفظائع المروعة التي ارتكبتها بحق المدنيين، مما يعني في المحصلة شل قدرة الدعم السريع على الحصول على دعم لوجيستي لشن المزيد من الهجمات على المدن وارتكاب المجازر.
إعلان
كذلك من المؤشرات التي تصب في اتجاه نجاح المبادرة هو أن الأزمة السودانية أصبحت تحت الأضواء الكاشفة، ويأتي اهتمام الرئيس ترامب بها ووعده بحلها ليسلط المزيد من الأضواء عليها، وبالتالي مزيد من الاهتمام من وسائل الإعلام العالمية بها، مما يعني أيضا المزيد من التقارير الاستقصائية حول مصادر الدعم، وبالتالي تضيق فرص الأطراف والقوى الإقليمية الداعمة لمليشيا الدعم السريع في الاستمرار في هذا المسار، حيث يخضع نشاط هذه القوى لرقابة يصعب الإفلات من قبضتها.
وأخيرا، فإن معظم القوى الفاعلة في الشرق الأوسط باتت على قناعة تامة بخطورة استمرار الحرب في السودان على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة أصلا، وبضرورة وقفها، وفي هذا الصدد فقد صرح الرئيس أردوغان بالقول: (إن أمن تركيا مرتبط بصورة وثيقة بأمن السودان)، وترى مصر أن أمنها القومي يعتمد على أمن واستقرار السودان، وهناك إجماع في الجامعة العربية على ضرورة وقف الحرب واحترام سيادة السودان ووحدة أراضيه.
أما على المستوى الدولي، فإن هناك شبه إجماع على ضرورة وقف الحرب في السودان، وحمْل داعمي الطرفين على وقف دعمهم، هذا غير التعاطف الواسع من الشعوب حول العالم مع الضحايا من المدنيين الذين سقطوا في المجازر التي ارتكبتها الدعم السريع، والذين شُرّدوا ونُزحوا من بيوتهم فرارا ونجاة بأنفسهم من هذه المجازر التي روّعت الضمير العالمي وأصبحت قضية رأي عام عالمي.
كل هذا ينتظر أن يعطي قوة دفع من نوع خاص وغير مسبوقة لمبادرة ولي العهد السعودي ويدفع في اتجاه إنجاحها ووقف نزيف الدم السوداني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إقرأ المزيد


