الجزيرة.نت - 11/24/2025 9:03:37 PM - GMT (+3 )
الخرطوم- في خطوة مفاجئة تبنّت الحكومة السودانية موقفا جديدا في التعاطي مع الورقة التي قدمها مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس، وحدّد رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان " خطوطا حمراء" بشأن حل الأزمة في بلاده مغلقا الباب أمام مقترحات بولس.
ويرجح مراقبون أن هذا التطور سيطوي صفحة جهود المجموعة الرباعية في هذه المرحلة، ويفتح الباب أمام نسخة جديدة من المبادرة الأميركية السعودية التي انطلقت منذ الأسابيع الأولى للحرب قبل 31 شهرا، وذلك بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن الأسبوع الماضي.
ويوم 12 سبتمبر/أيلول الماضي، طرحت المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات خطة تدعو إلى هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم عملية انتقالية جامعة وشفافة خلال 9 أشهر، تحقق تطلعات الشعب السوداني نحو حكومة مدنية مستقلة.
ورقة مرفوضةوفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أعلنت قوات الدعم السريع في السودان موافقتها على الهدنة، بينما ردت الحكومة السودانية برؤيتها التي سلمتها إلى الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي، وحملت مطالبها للسلام، وفقا لمصادر رسمية تحدثت للجزيرة نت.
وظلت الحكومة السودانية تتكتم على ورقة سلّمها بولس للوفد الذي دعته واشنطن في الأسبوع الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبعد أسبوعين من رد الحكومة على الورقة الأميركية أعلن البرهان -خلال اجتماع مع ضباط القوات المسلحة والمخابرات والشرطة والقوات المشتركة أمس الأحد، بحسب فيديو نشرته حكومته عن اللقاء- رفضه الورقة التي طرحها مسعد بولس.
ووصف المقترحات بأنها "أسوأ ورقة يتم تقديمها وأنه إذا كان بولس يريد حلا فعليه الرجوع لخارطة الطريق التي قدمها مجلس السيادة"، كما وصف اللجنة الرباعية لوقف الحرب في السودان بأنها "غير محايدة".
إعلان
وقال البرهان إن الورقة "تلغي وجود القوات المسلحة وتطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية وتبقي المليشيا المتمردة في مناطقها"، كما انتقد تهديد بولس للحكومة حين اتهمها بإعاقة وصول القوافل الإنسانية واستخدام أسلحة كيميائية، وأوضح أن "الوساطة إذا مضت في المنحى الذي يعرضه بولس، فإننا سنعتبرها وساطة غير محايدة".
وأكد قائلا "ورقتك هذه غير مقبولة"، وشدد على ضرورة تبني خارطة الطريق التي قدمتها حكومة السودان.
وأثنى البرهان على جهود ولي العهد السعودي ومساعيه نحو تحقيق السلام في السودان، مبينا أن حديثه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوضح الصورة الحقيقية لما يدور في السودان، وقال إن مبادرة الأمير بن سلمان فرصة لتجنيب بلادنا الدمار والتمزق.
وفي تعليق على خطاب قائد الجيش، عدّ نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، خالد عمر يوسف، أن ما تحدث به البرهان لم يكن مفاجئا، وقال إن الرجل ظل في كل المحكات الكبرى يختار الانحياز لرغبات الحركة الإسلامية على حساب مطالب غالبية الشعب السوداني.
ورأى عمر يوسف، في منشور على منصة "ميتا"، أن خطاب البرهان يعكس التوجه الرافض للسلام ذاته، وهو ما يطيل أمد معاناة الملايين من السودانيين.
وأشار إلى أن البرهان وجّه في خطابه رسائل تتعلق بمن يحكم ومن لا يحكم، واعتبر ذلك جرأة غريبة من شخص ظل يتشبث بسلطة اغتصبها عبر انقلاب، ويجلس اليوم على الكرسي ذاته، فيما البلاد تحترق في كل أرجائها.
وأكد أن الشعب لا يهتم بالسلطة بقدر اهتمامه بالسلام الذي يعيد الناس إلى قراهم ومدنهم ويوفر لهم الأمن وقوت العيش وينهي تشردهم بين البلدان.
من جانبه، يعتقد الكاتب إبراهيم شقلاوي، أن الموقف الجديد لرئيس مجلس السيادة أعاد ترتيب قواعد اللعبة، وشرعن سرديات ظلت الخرطوم ترددها طويلا دون أن تجد صدى في الخطاب الإقليمي والدولي.
ويوضح الكاتب للجزيرة نت أن النقاش انتقل من كيفية إنهاء حرب داخلية إلى "كيفية وقف تدخلات خارجية توظّف الحرب لتحقيق أطماع ومكاسب اقتصادية"، وهو تحول جوهري يجعل أي حديث عن تسوية سياسية غير ممكن ما لم تُعالج مستويات الصراع الثلاثة معا.
ويذهب شقلاوي إلى أن ما رشح عن رؤية السعودية للحل، تشير إلى أن موقع المؤسسة العسكرية ليس مطروحا على الطاولة لسببين موضوعيين:
- لأنها تحولت بفعل الحرب إلى الضامن الوحيد لاستمرار الدولة، لا طرفا سياسيا يخضع للمساومة أو الابتزاز.
- لأن الأحزاب السياسية المنقسمة والمنهكة غير قادرة -حاليا- على تشكيل كتلة مدنية موحدة يمكن الاستناد إليها في عملية انتقال متماسك.
وبالتالي -يقول شقلاوي- فإن التفاوض لا يستهدف إعادة تعريف موقع الجيش، بل تمكينه من أداء دوره في حماية مسار الدولة، مع تحميله مسؤولية رؤية واضحة للسلام، لا جعله موضوعا للمزايدة.
أما الكاتب والأكاديمي إبراهيم الصديق، فيرى أن خطاب البرهان أمام القيادات العسكرية والأمنية يشكل خطوطا كلية لسياسة مرحلة جديدة للتعامل مع الأزمة السودانية، ومثلما كانت حشود الدعم السريع بحاجة للتفتيت والتشتيت، فإن "فخ" التكتلات الخارجية كان بحاجة للتفكيك والتنوير.
إعلان
ويقول الصديق للجزيرة نت، إن حديث البرهان لا يبتعد كثيرا عن المسرح الميداني، وكما تمددت رسائل مساندي الدعم السريع بعد دخولهم الفاشر وبارا، وتصاعدت لهجتهم، فإن الرد جاء في توقيت انكساراتهم في كردفان حاليا.
وحديث قائد الجيش -حسب الكاتب- مرحلة جديدة تستدعي تعزيزها بإسناد سياسي ومشروع وطني يستصحب كل شركاء المعركة والفاعلين والمؤثرين، وفاعلية أكبر للجهاز التنفيذي في 3 مسارات:
- الإنتاج والإنتاجية.
- فاعلية العمل الدبلوماسي والإعلامي.
- وتسريع عودة المهجرين والنازحين وما يقتضي ذلك من توفير الخدمات الضرورية.
وفي اتجاه آخر، قال الكاتب والمحلل السياسي، عثمان ميرغني، إن الحكومة السودانية درجت على تحويل الأزمات الكبرى إلى معارك شخصية مع رموز دولية، بدلا من معالجة جذور الأزمة السياسية.
وفي تدوينة على صفحته بموقع "ميتا"، استعاد ميرغني مشهد أحداث دارفور حين بلغت ذروتها وانتقلت من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث تحولت المعركة إلى مواجهة مع المدعي العام لويس مورينو أوكامبو، وبدأ الرئيس السابق عمر البشير يردد في خطاباته: "أوكامبو تحت جزمتي".
وأضاف ميرغني أن ما حدث بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 لم يكن مختلفا، إذ تحولت القضية إلى معركة ضد المبعوث الأممي فولكر بيرتس، والآن -بحسب تعبيره- وصل السودان إلى "معركة مسعد بولس"، في إشارة إلى استمرار النهج ذاته في مواجهة الأشخاص بدلا من البحث عن حلول سياسية تخرج البلاد من أزماتها.
إقرأ المزيد


