الجزيرة.نت - 11/24/2025 10:10:55 PM - GMT (+3 )
يسعى العلماء، في سباق تطوير بطاريات السيارات الكهربائية حول العالم، لزيادة الطاقة الناتجة دون التضحية بعمر البطارية أو سرعة شحنها.
ويبرز السيليكون منذ سنوات بوصفه المادة القادرة على إحداث هذه النقلة، بفضل سعته النظرية التي تفوق قدرة المواد التقليدية مثل الغرافيت بنحو 10 أضعاف. لكن طبيعته الميكانيكية المعقدة، وتمدد حجمه بشكل بالغ أثناء الشحن، بقيت عقبة تحول دون استخدامه على نطاق واسع في صناعة البطاريات.
لكن في دراسة حديثة نُشرت في دورية "نيتشر نانوتكنولوجي"، قدم فريق دولي من الباحثين أول رؤية مباشرة وحية للتفاعلات الميكروية الميكانيكية والكيميائية التي تحدث داخل أقطاب السيليكون والغرافيت أثناء عمل البطارية، من خلال دمج تقنيات تصوير متقدمة.
يقول شوكون لو، الباحث الرئيسي في الدراسة، في تصريح حصلت الجزيرة على نسخة منه: "في هذه الدراسة، وللمرة الأولى، نظهر بصريا التفاعل بين التصميم الميكروي والبنية الكهربائية الكيميائية الميكانيكية عبر مقاييس الطول، من الجزيء المفرد وحتى القطب الكامل، من خلال دمج تقنيات تصوير تشغيلية متعددة الأنماط".
ويضيف: "هذه الدراسة تفتح آفاقا جديدة لابتكار بنى ثلاثية الأبعاد متقدمة للأقطاب، وتدفع حدود كثافة الطاقة، وعمر الدورة، وسرعة الشحن في بطاريات السيارات، وبالتالي تسريع تبنّي المركبات الكهربائية على نطاق واسع".
لطالما كان استخدام السيليكون في الأنودات تحديا هندسيا، رغم أنه يوفر سعة نظرية هائلة. غير أن تمدده الكبير عند إدخال أيونات الليثيوم يؤدي إلى تشقق الجزيئات وفقدان التوصيل واستهلاك الإلكتروليت، ما يضعف كفاءة البطارية ويقلل عمرها.
تخيّل جزيئات السيليكون كأنها مجموعة بالونات كبيرة داخل غرفة (قطب البطارية، أو الأنود)، هذه البالونات مصنوعة من مادة مطاطة جيدة وقادرة على حمل عدد كبير من الكرات (أيونات الليثيوم).
إعلان
الغرفة العادية (الغرافيت) تستقبل عددا قليلا فقط من البالونات الصغيرة لأنها غرفة غير مطاطة، ولكن الغرفة التي تحتوي على بالونات السيليكون يمكنها استقبال 10 أضعاف العدد، وهذا شيء رائع لصاحب الفندق!
لكن المشكلة أنه كلما دخل المزيد من كرات الليثيوم، تنتفخ البالونات أكثر وأكثر، حتى يصل حجم الغرفة إلى 3 أضعاف حجمها الأصلي، مما يؤدي إلى تمزق جدران الغرفة، وانقطاع الأسلاك الكهربائية، وتساقط قطع من سقف الفندق، وبعض الغرف المجاورة تنهار تمامًا، حتى أن الممرات التي دخل منها الليثيوم تبدأ في الاختفاء، هذا بالضبط ما يحدث بسبب تمدد جزيئات السيليكون في البطارية، مما يدمر قدرة البطارية على الشحن، ويقلل من عدد الدورات!
نتيجة لذلك، تعتمد الصناعة حاليًا على إضافة نسب صغيرة لا تتجاوز 10% من السيليكون إلى أنودات الغرافيت. غير أن الدراسة الجديدة تكشف أن المشكلة ليست في استخدام السيليكون بحد ذاته، بل في فهم كيفية تفاعله الميكروي والميكانيكي مع محيطه داخل القطب. وهذا هو بالضبط ما تمكن الفريق من رصده مباشرة من خلال تقنيات التصوير أثناء التشغيل، التي قدمت إطارا بصريا غير مسبوق لتحليل هذه التفاعلات.
أوضحت الدراسة أن بنية المسام داخل جزيئات السيليكون تلعب دورا حاسما في سلوكها أثناء الشحن، فقد أظهرت الصور أن الجزيئات ذات المسام الأنبوبية العميقة والمنتظمة تتمدد بطريقة متوازنة وتبدي مقاومة أعلى للتشقق، بينما الجزيئات ذات المسام السطحية تتمدد بشكل غير متساوٍ، ما يؤدي إلى ظهور شروخ مبكرة.
كما كشفت الصور أن بعض الجزيئات كانت محاصرة داخل جيوب غرافيتية تمنع وصول الإلكتروليت إليها، فتبقى غير فعالة حتى عند مستويات شحن مرتفعة تبلغ 90%. ومع بقائها خاملة ومحاصرة في تلك الجيوب، يتحول التيار الكهربائي إلى الغرافيت، ما يرفع احتمالات الطلي الكهربائي لليثيوم، وهي ظاهرة خطيرة قد تهدد سلامة البطارية.
لفهم الطلي الكهربائي، تخيل البطارية أثناء الشحن كأنها موقف للسيارات، حيث تصطف السيارات الصغيرة (أيونات الليثيوم) داخل أماكن محددة لها (الثقوب داخل قطب البطارية) في موقف السيارات (قطب البطارية). عندما تشحن البطارية، يجب أن تتحرك السيارات (أيونات الليثيوم) بنظام وتدخل إلى أماكن الاصطفاف (الثقوب) داخل الموقف (الأنود).
لكن إذا شحنت البطارية بسرعة كبيرة، يصبح المدخل مزدحما جدا بالسيارات، فتفشل السيارات في الدخول إلى أماكن الانتظار، وتبدأ في التكدّس فوق بعضها خارج الموقف على شكل طبقة فوضوية.
هذه الطبقة غير المنظمة هي ما نسميه الطلي الكهربائي لليثيوم، حيث يتراكم الليثيوم المعدني فوق سطح القطب بدلاً من الدخول داخله. هذا ما رصده الباحثون من خلال تقنياتهم الجديدة المبتكرة في التصوير داخل البطارية.
رصد الخيانة الكربونيةليس هذا فحسب، بل واكتشفوا خيانة لم تكن في الحسبان يرتكبها أحد العناصر التي من شأنها الحفاظ على تماسك القطب، وهو الكربون الرابط، إذ يستخدم الكيميائيون الكربون الرابط كالماء الذي يستخدمه الأطفال على الشاطئ لتحويل الرمل إلى قطع متماسكة يمكن تشكيلها في شكل قصر. الكربون الرابط أيضا يعمل على تحويل ذرات الغرافيت أو السيليكون والتي لا يمكن أن تتماسك وحدها.
إعلان
يعمل الكربون الرابط على ضمان وجود شبكة موصلة للكهرباء بين الجزيئات، كما يسمح للإلكترونات بالتحرك بحرية داخل القطب، ودون هذه المادة اللاصقة، سيتفتت القطب ولن تعمل البطارية بشكل جيد.
لكن تكشف الدراسة أن دور هذا الكربون أعقد بكثير، إذ تبيّن أنه يتمدد بنسبة تصل إلى 20–25% أثناء الشحن، كما يفقد مساميته تدريجيا. الأمر الذي يضعف انتقال الأيونات، ويساهم في جزء كبير من التمدد الكلي للأنود. هذا الاكتشاف يعيد تعريف دور هذه المادة داخل البنية المعمارية للقطب، ويشير إلى أنها قد تكون عنصرا حاكما في أداء البطارية أكثر مما كان متصورا.
وتشير الدراسة أيضا إلى أن القطب يظل قادرا على استيعاب تمدد المواد الفعالة حتى يصل إلى نحو 50% من حالة الشحن، إذ تكون مساميته ما زالت قادرة على امتصاص التشوهات. لكن بمجرد تجاوز هذه النقطة، تبدأ المسام في الامتلاء، ويتسارع التمدد بصورة كبيرة، وينهار الأداء.
رصد الفريق هذه الظواهر بدقة من خلال دمج التصوير المقطعي بالأشعة السينية مع التحليل الرقمي، وهو ما أتاح توثيق كيفية تحوّل سلوك الجزيئات المفردة إلى تدهور ملموس في القطب ككل.
حياكة الحل الكيميائيوبناءً على هذه الرؤية الميكروية التفصيلية، صمم الفريق معمارية جديدة للقطب يعتمد على طبقتين مختلفتين، إذ توضع طبقة غنية بالغرافيت مرتفعة المسامية على الجانب المواجه للفاصل، لتسمح بمرور سريع للإلكترونات، بينما توضع طبقة سفلية غنية بالسيليكون ومحتواها أعلى من الكربون الرابط لضمان التوصيل الكهربائي.
هذا التصميم، كما توضح الدراسة، ينبع مباشرة من الأدلة التي كشفتها الصور أثناء التشغيل وليس من افتراضات نظرية. وقد أظهرت الاختبارات أن هذه البنية ثنائية الطبقة تقلل الاستقطاب، وتحافظ على المسامية الضرورية، وتمنع محاصرة جزيئات السيليكون، وتحسن من توزيع أيونات الليثيوم عبر ثقوب القطب. كما حافظت على 72% من السعة بعد عدد من الدورات، مقارنة بانخفاض كبير في التصميمات التقليدية.
ويُعلّق ديفيد جرينوود، المدير التنفيذي لشركة "هاي فاليو مانيفاكشرنج كاتابولت" ومدير المساهمة الصناعية في جامعة وارويك الإنجليزية، وغير المشارك في الدراسة، على أهمية هذه النتائج: "أنودات السيليكون عالية المحتوى تمثل مسارًا مهمًّا نحو بطاريات عالية الكثافة للطاقة في التطبيقات مثل السيارات. وتوفّر هذه الدراسة فهمًا أعمق للطريقة التي تؤثر بها البنية المجهرية على الأداء والتدهور، وستوفر أساسًا لتصميم أفضل للبطاريات في المستقبل".
إذا ما تبنت الصناعة هذه النتائج، فقد يصبح بالإمكان إنتاج بطاريات سيارات كهربائية بمدى أطول وعمر أطول وسرعة شحن أعلى، مع الحفاظ على مستويات الأمان المطلوبة.
ما نعرفه الآن وبثقة هو أن الطريق لا يكمن فقط في إضافة المزيد من السيليكون، بل في فهم الكيفية التي ينثني ويتشقق ويتحرك ويتفاعل بها داخل البنية الثلاثية الأبعاد لأقطاب البطارية. وهذا الفهم الجديد قد يكون مفتاح الجيل التالي من البطاريات التي ستدفع ثورة النقل الكهربائي إلى مستوى جديد.
إقرأ المزيد


