الجزيرة.نت - 11/26/2025 6:18:05 AM - GMT (+3 )
عاش العراق أحقابا متقلبة منذ الاحتلال البريطاني مرورا بالانقلاب على الملكية وأحداثها المأساوية ونهاية بأزمنة البعث صعودا وهبوطا وصعودا حتى بلوغ صدام حسين نقطة السيطرة المطلقة على البلاد.
وفي كل تلك الأحداث، برزت شخصيات، واختفت أخرى، كان بعضهم من أعداء الأنظمة الجديدة، وبعضهم من الأصدقاء ثم تمت التضحية بهم لأسباب تتعلق بالسلطة؛ إذ "الملك عقيم" كما كانت تقول العرب.
وبعضهم أدرك هذا المفهوم مبكرا فحاول أن يتخلص من مناوئيه قبل أن يتخلصوا منه، وبرز منهم ناظم كزار الذي لو ساعدته الأقدار لكان على رأس العراق يحكمها كما حكمها صدام! فمن ناظم كزار؟ وكيف كانت بدايته ثم نهايته؟
سنوات المحنوُلد ناظم كزار في بيئة عراقية متقلبة جمعت بين الانضباط العسكري والتقاليد الاجتماعية المحافظة، فانعكست على شخصيته ملامح الصرامة والطموح المبكر.
وقد بدأ حياته الدراسية بتفوق على الرغم من فقر أسرته، واضطر إلى العمل مبكرا لمساعدتها، فاحتكّ بطبقات العمال وتعرّف إلى النشاط السياسي المتصاعد آنذاك، ومع تحولات العراق بعد سقوط الملكية عام 1958 اتجه من مقاعد الدراسة إلى العمل الحزبي السري، ليبدأ مسارا صاخبا بين التعليم والسجن والتنظيم.
تميّز في دراسته بانضباطه ودقته وميوله التنظيمية، لكن ظروف أسرته الاقتصادية المتواضعة أجبرته على أن يتحمل مسؤولية الإعالة في سن مبكرة، فقد عمل خلال تلك الفترة مراقبا على خط الإنتاج في أحد المصانع الصغيرة.
وقرّبته هذه التجربة من طبقة العمال الذين كان لهم حضور مؤثر في الحياة السياسية العراقية في تلك السنوات، خصوصا في ظل تصاعد النشاط الحزبي اليساري والقومي في المصانع والدوائر العامة، وكان احتكاكه بهذه الطبقات عاملا مهما في صياغة وعيه الاجتماعي والسياسي لاحقا.
وكما يرصد شامل عبد القادر في كتابه "ناظم كزار سيرة أقوى مدير أمن عام"، فقد أنهى كزار في عام 1958 دراسته الثانوية بمعدل مرتفع أهّله للقبول في كلية الطب بجامعة بغداد، غير أن سنوات دراسته تلك شهدت تحولات فكرية وسياسية حادة في العراق مع سقوط النظام الملكي في العام نفسه، وهذا سيقوده لاحقا إلى طريق مختلف تماما عن المسار الأكاديمي الذي بدأه، نحو عالم ملتبس بين السلطة والأمن والسياسة.
إعلان
لم تدم تجربة ناظم كزار الأكاديمية في كلية الطب طويلا، إذ وجد نفسه بعد عام واحد من التحاقه بها في مواجهة مباشرة مع النظام الجمهوري الجديد الذي تشكل عقب سقوط الملكية عام 1958.
كان هذا النظام بقيادة عبد الكريم قاسم يسعى إلى تفكيك البُنى السياسية القديمة وإقصاء التيارات القومية، وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تحالف معه سابقا، إذ رأى فيه تهديدا لمشروعه الوطني ذي الطابع الفردي والميل اليساري.
وفي خضم الصراع بين قاسم والبعثيين، تعرّض كزار إلى الملاحقة والفصل من الجامعة بعد اتهامه بالانتماء إلى الحزب والمشاركة في نشاطاته السرّية المعارضة للنظام، وهو ما مثّل أول صدام مباشر بينه وبين السلطة الجديدة التي أرست أُسس دولة أمنية.
وتذكر بعض الروايات العراقية عن بدايات ناظم كزار أنه بعد فصله من كلية الطب حاول استكمال دراسته في كلية الهندسة بجامعة بغداد، لكن نشاطه الحزبي البعثي المبكر جعله عرضة للفصل مرة أخرى، فانتقل إلى معهد الهندسة الصناعي العالي الذي أنهى فيه دراسته لاحقا.
وكانت تلك الفترة بمثابة استراحة أكاديمية قصيرة وسط زخم التحولات السياسية، إذ استمر على تواصله مع رفاقه البعثيين في السر، حتى تخرّج في أعقاب انقلاب نوفمبر/تشرين الثاني 1963 الذي أطاح بحكم عبد الكريم قاسم وأعاد البعثيين إلى المشهد، قبل أن تنقلب عليهم الموازين من جديد في صراعات داخلية متسارعة بين الرفاق القدامى.
وتتفق روايات وشهادات عراقية، منها دراسة الباحث سيّار الجميل بعنوان "ناظم كزار: تاريخ خطير" أن ناظم كزار اعتُقل بعد تفكك التحالف بين البعث والرئيس عبد السلام عارف نحو عام 1964، وحُكم عليه بالسجن مدة قصيرة في البداية، لكن العقوبة تضاعفت إلى 10 سنوات بعدما اعتدى على قاضي التحقيق أثناء استجوابه.
وتشير هذه الروايات إلى أنه نُقل بين سجون السليمانية والموصل والفضيلية، حيث أمضى سنوات قاسية، إلى أن أُفرج عنه في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف ضمن سياسة العفو عن المعتقلين السياسيين بعد وساطة أحمد حسن البكر الذي سيصبح رئيسا عقب انقلاب 1968.
وعقب انقلاب 17 تموز/يوليو 1968، وهو الانقلاب الذي أعاد حزب البعث إلى السلطة بشكل نهائي، خاصة الفريق الموالي له كزار وعلى رأسه أحمد حسن البكر وصدام حسين، وجد نفسه في موقع متقدم داخل الجهاز الحزبي حيث بدأ يلفت الأنظار إليه بصرامته وبقدرته على السيطرة والانضباط التنظيمي.
وهذا ما جعله أحد الأسماء التي ستُستدعى لاحقا لتتولى مسؤوليات أكبر في أجهزة الأمن والمخابرات، ومن هذه المرحلة بالذات بدأ صعوده الحاد نحو قمّة هرم الدولة الأمنية التي ستغيّر مسار حياته ومصيره معا.
وكما يذكر تشارلز تريب في كتابه "صفحات من تاريخ العراق المعاصر"، فقد أولت الحكومة العراقية التي أنشأها حزب البعث بعد انقلاب 68 عناية كبيرة لإعادة ترتيب مؤسساتها الداخلية، وقررت إنشاء جهاز أمني يتولى حماية الدولة ومؤسساتها.
وأشرف صدام حسين نائب رئيس الجمهورية على هذا الجهاز، ومع الوقت لم تعد هناك جهة أمنية واحدة بل تعددت الأجهزة وتنوعت اختصاصاتها، فظهر "جهاز الأمن الخاص" التابع للحزب، و"جهاز الأمن الرئاسي"، إضافةً إلى "جهاز أمن الدولة".
إعلان
وأخيرا "جهاز الأمن العام" الذي أشرف عليه ناظم كزار منذ عام 1969 بقرار حزبي وسياسي حمل دلالات استثنائية، إذ رُقي إلى رتبة لواء على الرغم من أنه مدني، ووُكلت إليه مهمة حماية النظام من خصومه في الداخل عبر جهاز أمني صار فيه التنفيذ السريع للحكم والسياسة الأمنية بديلا عن السبل القانونية التقليدية.
وعينه صدام حسين ضمن أعضاء "المكتب العسكري" في حزب البعث، وهو المكتب الذي كان يشرف مباشرة على الجيش العراقي لزيادة ضمان السيطرة المطلقة عليه، وهو ما يفصله زهير الجزائري في كتابه "المستبد".
وعلى مستوى البنية المؤسسية، أعاد كزار تشكيل فضاء العمل الأمني؛ فأنشئت مقرات جديدة لجهاز الأمن العام، واختار الكادر الأمني قصر الرحاب كقاعدة للاعتقال والتحقيقات، وغير اسمه ليحمل "قصر النهاية" في إشارة لعمليات التعذيب والقتل الممنهجة التي كانت تتم في هذا المكان، وهو البناء نفسه الذي شهد قبل ذلك مأساة مقتل الملك فيصل الثاني وأسرته، فتحوّل القصر إلى مكان لتطبيق أحكام النظام على معارضيه في أجواء شبه عسكرية.
وقد تناولت عدة مرجعيات دينية وقيادات سياسية عراقية في مذكراتهم خطورة ما كان يقع في "قصر النهاية"، كما ذكرها المرجع محمد الحسيني الشيرازي في مذكراته.
وقد أوكلت إلى ناظم كزار مهمة تصفية كل معتقل كان يُظن أنه يشكل خطرا عليه أو على الحزب، كما شكل في قصر النهاية محكمة غير شرعية ولا قانونية مع آخرين، كانت تعقد جلساتها وتصدر أحكامها الفورية بالإعدام بعد منتصف الليل، وكان ينفذ حكم الإعدام خنقا بكلتا يديه على رقبة المحكوم حتى يلفظ أنفاسه على حد وصف سيار الجميل في دراسته السابقة.
سنوات القلق والخوفومع الوقت تمكن كزار من القضاء على معظم خصوم صدام حسين والبكر، ولكن لئن تمكن ناظم من تشديد قبضة صدام والبكر على السلطة، فإن القلق سرعان ما بدأ يساوره، إذ أدرك كزار مع الوقت أن صدام رسخ سلطته من خلال تعيينه مجموعة التكارتة "أبناء بلدته تكريت" المقربين منه لزمام القوة الأمنية العليا المحيطة بالرئيس أحمد حسن البكر، وكان هذا الإجراء البداية الحقيقية لتهميش كزار وربما استئصاله من قيادة الأمن العام لاحقا.
وكما يرى كل من حسام علي محسن وعبد العزيز عطية في دراستهما "محاولة ناظم كزار الانقلابية عام 1973″، فإن سيطرة الفريق المدني الذي تزعمه صدام حسين، وتهميش الفريق العسكري الذي كان له الدور البارز في انقلاب البعث عام 1968 كان سببا رئيسا في حسم كزار موقفه لصالح هذا الفريق ضد صدام.
وكما يرى سيار الجميل فقد شرع صدام حسين منذ مطلع السبعينيات في إعادة هيكلة المنظومة الأمنية العراقية بما يضمن تركيز السيطرة في يده، فأنشأ شبكات متوازية من مراكز التحقيق والسجون، من بينها سجن قصر النهاية وسجن مديرية التحقيقات العامة وسجون وزارة الداخلية، إلى جانب مديريات أمنية جديدة لا تخضع لسلطة مديرية الأمن العامة التي كان يرأسها ناظم كزار.
هذه الإجراءات التي صُممت لتفكيك مراكز القوة داخل الجهاز الأمني، سلبت صلاحيات كزار تدريجيا وجعلته محصورا داخل نطاق محدود من المهام الثانوية، حتى أصبح كما وصفه صدام نفسه ساخرا ذات مرة بـ"أبي النظارة الزرقاء"، مجرد ظلّ لرجل الأمن الذي كان يرعب خصوم النظام في بداياته.
ومن هنا تقلص دور كزار إلى متابعة ملفات روتينية مثل ملاحقة الشيوعيين وبعض قضايا الفساد الصغيرة أو السلوكيات المناوئة للحزب في حالات السكر، فضلا عن نزاعات عشائرية محدودة، وهي مهام لم تشكل أي تهديد مباشر لسلطة صدام المتنامية.
وفي نهاية حزيران/يونيو عام 1973، كانت بغداد على موعد مع واحدة من أكثر اللحظات توترا في تاريخ النظام البعثي، عندما بدأ ناظم كزار مدير الأمن العام بتدبير انقلاب داخلي ضد قيادة الحزب والدولة.
إعلان
وكانت خلفية التحرك محكومة بشعور متزايد لدى كزار بأن مركزه الأمني بدأ يضيق أمام الصعود المتسارع لصدام حسين، الذي تحوّل خلال سنوات قليلة من نائب في القيادة إلى الرجل الأقوى في بنية السلطة، وسط تراجع واضح في قدرة الرئيس أحمد حسن البكر على مواجهة طموح نائبه.
وبسبب كل ذلك شرع كزار في تحرك مضاد يمنحه زمام القيادة، ويستبق استبعاده الوشيك من المشهد، وجاءت اللحظة التي رآها كزار مواتية مع سفر الرئيس أحمد حسن البكر في زيارة رسمية إلى بولندا وبلغاريا، إذ خطط لاستغلال غياب الرئيس لتنفيذ تحرك سريع يضعه على رأس السلطة في بغداد.
وكان البكر قد غادر في أواخر يونيو/حزيران 1973، وكان من المقرر أن يعود في 30 منه، إلا أن جدول رحلته شهد تأخيرات غير متوقعة، بدأت في وارسو واستمرت في مصيف فارنا البلغاري، حيث نظّمت الحكومة البلغارية استقبالا رسميا له بحضور تسولوف نائب رئيس الوزراء، الذي أصر على اصطحابه في جولة قصيرة داخل المدينة وحفل استقبال بروتوكولي في الفندق الرئيس، وكانت هذه التأخيرات -التي بدت في ظاهرها عادية- كفيلة بإرباك حسابات الانقلاب داخل بغداد.
وصلت طائرة الرئيس إلى مطار المثنى في بغداد عند الساعة السابعة و50 دقيقة مساء، حيث كان في استقباله كبار المسؤولين والوزراء وأركان الحزب، وسلّم البكر على الحضور فردا فردا ثم ركب مع نائبه صدام حسين سيارة كانت بانتظارهما على مدرج المطار، وغادرا معا في مشهد نقلته كاميرات التلفزيون الرسمي.
وفي تلك الأثناء كان ناظم كزار يتابع وقائع العودة عبر شاشة داخل مكتبه في مقر الأمن العام، منتظرا إشارة بدء التحرك الذي خطط له بدقة، لكن تأخر الطائرة عن موعدها 3 ساعات، ثم انقطاع البث المفاجئ أيقظ في نفسه الشكوك بأن خطته قد انكشفت، وأن ساعة الصفر التي حددها لم تعد آمنة.
كانت خطته تقوم على عدة محاور، أولها اعتقال وزيري الداخلية والدفاع والمساومة عليهما أو قتلهما لاحقا مع مرافقيهم بحجة أنهما نفذا عملية انقلابية على الحزب والقيادة وذلك بعد تأكده من اغتيال صدام والبكر في مطار بغداد، وبهذا يتخلص من كل الجناح المناوئ له، ويظهر في الوقت نفسه أمام الرأي العام في دور البطل بدون أن تتلوث سمعته، ولكن يبدو أن صدام حسين كان له بالمرصاد ويشعر بخطورة ما يقوم به كراز، فأوعز للبكر أن يتأخر عن الحضور.
وحين تبدلت ملامح المشهد، وأيقن كزار أن خطته قد انكشفت قرر أن يغادر بغداد فورا قبل أن يُحاصر، فاصطحب مجموعةً من رجاله واتجه نحو الحدود الإيرانية في محاولة للهرب ولضمان موطئ قدم للمناورة أو التفاوض لاحقا، مصطحبا معه وزير الدفاع الفريق حماد شهاب ووزير الداخلية سعدون غيدان وبعض مرافقيهم، واحتجزهما كرهائن في سيارته.
وفي أثناء الرحلة بين الكوت والمنفذ الحدودي، تمكن أحد المحتجزين المرافقين للوزيرين من الفرار وإبلاغ قوات الأمن عن خط سير القافلة، وسرعان ما اعترضت مروحيات تابعة للجيش موكب كزار وبدأت بإطلاق النار لإيقافه، فوقعت الاشتباكات في طريق ضيّق تحوّل إلى ساحة مطاردة جوية وبرية عنيفة.
وفي خضم الفوضى حاول وزير الدفاع حماد شهاب أن يتحرر من وثاقه، لكن الرصاص عاجله في ظروف لم تتضح تماما فقُتل على الفور، أما وزير الداخلية سعدون غيدان فقد تمكن من فك قيوده وحاول الفرار لكنه أصيب بطلقٍ ناري في كتفه وسقط على الأرض فظن كزار أنه فارق الحياة، فتابع طريقه مسرعا نحو الحدود، إلا أن الطائرات المروحية وقطعات الجيش كانت قد طوقت المنطقة بالكامل، وأُغلقت كل المنافذ أمامه.
وتحول المشهد إلى مطاردة دامية انتهت بإصابة كزار بجروحٍ واعتقاله مع مجموعة مرافقيه، وذلك ما ينقله سيار الجميل وترصده العديد من الصحف العراقية وقتئذ مثل البيرق والثورة العراقية.
نُقل كزار فورا إلى قصر النهاية ذلك المبنى الذي كان هو نفسه قد حوّله سابقا إلى مركز للتحقيق والتعذيب والقتل، ليتحول هذه المرة إلى مسرح لنهايته، حيث تجمع حوله عدد من كبار قادة البعث مثل عزة الدوري، وطه ياسين رمضان، ونعيم حداد، وغانم عبد الجليل، ومحمد محجوب، لمتابعة التحقيقات الأولية معه قبل رفع تقرير مفصل إلى القيادة العليا.
وقد بدا واضحا من ملامحه أنه أنهك تماما من الإصابة وفشل خطته، لكنه ظلّ وفق من حضروا متمسكا بنفي التهمة السياسية المباشرة قائلا إن ما فعله لم يكن خيانة بل محاولة "لتصحيح مسار الثورة"، غير أن واقع اللحظة كان أكبر من أي تبرير فقد انتهت مغامرته، وسقط الرجل الذي صنع الرعب في العراق برصاص النظام الذي ربّاه.
إعلان
انتهت رحلة ناظم كزار الدموية نهاية غامضة لا تزال تفاصيلها الدقيقة محاطة بالالتباس حتى اليوم، إذ لم يُعرف على وجه اليقين تاريخ وفاته ولا الكيفية التي أُعدم بها، بل إن محاكمته كانت سرية يشرف عليها صدام والبكر بصورة شخصية.
وفي النهاية صدرت الأوامر بإعدامه مع عدد من رفاقه المقربين، ونُفّذ فيما يبدو الحكم بسرعة في ظروف سرية، وأُعلنت وفاته لاحقا على نحوٍ مقتضب داخل الأروقة الحزبية من دون أي بيان رسمي أو إعلان عام بعد تنفيذ الإعدام، وسُلّمت جثته إلى أسرته في بغداد على نحو مفاجئ ومقتضب، في إشارة إلى رغبة النظام في إغلاق الملف نهائيا ومنع أي تأويل سياسي لوفاته.
وهو الأمر الذي جعل شامل عبد القادر يشكك في كامل الرواية ويرفضها ويستميت في الدفاع عن كزار في كتابه "ناظم كزار سيرة أقوى مدير أمن عام في تاريخ العراق"، ويتهم صدام حسين بأنه المؤلف والمخرج والمنفذ لحادثة مقتل كزار وإظهار توريطه في قضية لم يكن طرفا فيها.
وهكذا انتهت مسيرة ناظم كزار في مفارقة مأساوية، إذ صعد إلى قمة الجهاز الأمني بوصفه أحد أعمدة الدولة البعثية ثم سقط ضحية للبنية القمعية التي أسهم هو نفسه في تأسيسها، وهكذا بين بدايات متواضعة في أحياء بغداد وعنف مفرط في دهاليز السلطة، تحوّل كزار إلى تجسيد حي لتناقضات النظام الذي صنعه؛ نظام ابتلع أبناءه واحدا تلو الآخر باسم الثورة والأمن والاستقرار.
إقرأ المزيد


