الجزيرة.نت - 11/26/2025 8:30:14 AM - GMT (+3 )
Published On 26/11/2025
|آخر تحديث: 08:06 (توقيت مكة)
شارِكْ
بأسمائها المتعددة وحجمها الضخم ومنظرها المهيب، تعيش أشجار الباوباب أو التبلدي العملاقة منذ ملايين السنين. في ببيئات الغابات الجافة في مدغشقر، ومناطق أخرى من أفريقيا، وشمال غرب أستراليا وبشكل أقل في بلدان أخرى، تعد أكثر من شجرة، فهي موطن كامل في بعض المناطق.
شجرة الباوباب تعرف بعدة أسماء حسب أماكن وجودها، وهي تنمو في 3 بلدان عربية، وهي السودان واليمن والمملكة العربية السعودية. وتعرف أيضا بشجرة التِّبِلْدِي أو الحُمَيرة، أو الكُلهمة أو البُوحِبَاب، أو شجرة القارورة، أو الشجرة المقلوبة، أو شجرة خبز القرود، لكن اسمها العلمي هو "أدانسونيا ديجيتاتا" (Adansonia digitata).
وباعتبارها شجرة نادرة، نسجت حول الباوباب كثير من الأساطير والحكايات عبر القرون، ويطلق عليها اسم "شجرة الحياة"، باعتبارها من أنواع ما قبل التاريخ، وسبق وجودها البشرية وانقسام القارات. وتعد أيضا رمزا للصمود والحياة.
وعلى الرغم من وجودها في بعض البيئات والمناطق في العالم، تعتبر شجرة الباوباب المهيبة رمزا للقارة الأفريقية، إذ يوجد 6 أنواع من بين 8 منها في جزيرة مدغشقر، وتنمو في 31 دولة أفريقية أخرى.
ويشير الباحثون إلى أنها تقدم بلحائها وثمرها أكثر من 300 استخدام مُستدام، وهي أساس للعديد من العلاجات والتقاليد والفولكلور الأصلي في القارة.
وتعرف شجرة الباوباب الضخمة، التي تُسمى أيضا "الشجرة المقلوبة"-لأن أغصانها تبدو كجذور في الهواء- بصلتها الرمزية الأعمق بالوجود نفسه في الأساطير والميثولوجيا الأفريقية، إذ ترمز إلى الخلق والمعرفة والحياة الأبدية.
ووفق بعض الدراسات، يعود تاريخ هذا النوع من الأشجار إلى أكثر من 200 مليون عام. وزعم المستكشفون الأوروبيون أنها قد تعيش حتى 5 آلاف عام، لكن التأريخ بالكربون المشع يشير إلى أنها قد تعيش حتى 3 آلاف عام.
إعلان
وتشتهر هذه الأشجار بارتفاعها الذي يبلغ 30 مترا، ومحيط جذعها الذي يمكن أن يصل في بعض الحالات إلى أكثر من 50 مترا. ولطالما ركز سكان السافانا الأفريقية الأصليون مجتمعاتهم وأنماط حياتهم حول هذه الأشجار الضخمة.
اكتسبت الباوباب لقب "شجرة الحياة" الشهير لأنها شريان حياة حقيقي في المناطق القاحلة، وهي أشجار هائلة الحجم توفر المأوى والغذاء والماء لمختلف أشكال الحياة.
وبما أنها نبات عصاري، يخزن جذعها الضخم المنتفخ كميات ضخمة من المياه قد تصل إلى 120 ألف لتر، وهذا يجعلها حلا مثاليا للإنسان والحيوان خلال فترات الجفاف الشديد، كما يتم استخدام جذوعها المجوفة كمنازل ومخازن وحتى محطات للحافلات ومقرات للاجتماعات.
ويعد كل جزء من هذه الشجرة ثمينا، فثمرها، المعروف باسم "خبز القرود"، غني بالعناصر الغذائية، ويمكن استخدام لحائها في صناعة الملابس والحبال، ويوفر جذعها الأجوف وظلها الوافر المأوى.
وتعتبر أشجار الباوباب أساسية لنظام السافانا الأفريقية الجافة بأكمله، فهي تساعد على الحفاظ على رطوبة التربة، وتسهم في إعادة تدوير العناصر الغذائية، وتُبطئ تآكلها بفضل جذورها الضخمة.
ففي مناخ أفريقي جاف، ترمز أشجار الباوباب إلى الحياة وتمتص الماء من موسم الأمطار وتخزنه في جذعها الضخم، وتتفتح أزهارها البيضاء الكبيرة ليلا وتتساقط خلال 24 ساعة، وتلقح الخفافيش الأزهار وتتغذى على رحيقها.
كما تنتج ثمارا غنية بالعناصر الغذائية في موسم الجفاف، يصل طولها إلى 30 سنتيمترا. ويحتوي لب هذه الثمارعلى حامض عضوي طبيعي، وفيتامين سي، والكالسيوم والألياف، بالإضافة إلى مضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن الأخرى، وهذا يُمثل مصدرا غذائيا حيويا للعديد من الأنواع.
كما يُمكن طحن اللحاء لصنع كل شيء، من الحبال والحصائر والسلال إلى الورق والقماش. وتُستخدم الأوراق، كمكمل غذائي حيث يُمكن غليها وتناولها، ويمكن صنع الغراء من حبوب اللقاح وأزهارها.
كما تعد شجرة الباوباب مصدرا أساسيا للمياه والمأوى لمئات الحيوانات، بما في ذلك الطيور والسحالي والقرود، وحتى الفيلة التي قد تتغذى على لحائها للحصول على الرطوبة عند انعدام الماء.
ويتميز الباوباب الأفريقي ليس فقط بحجمه وعمره وثمره ولحائه، بل أيضا بطريقة نموه المستمر لسيقان متعددة ملتحمة. ويتجدد اللحاء في الفراغات بين هذه السيقان، والتي تُسمى التجاويف الزائفة، وهي ميزة فريدة في الباوباب.
في جميع أنحاء نهر زامبيزي، وهو رابع أطول نهر في أفريقيا، تُعرف المجتمعات الأصلية بشجرة الباوباب لأغصانها الممتدة في كل الاتجاهات كالجذور. وتقول الأسطورة المحلية إن أشجار الباوباب كانت متكبرة جدا، فغضبت الآلهة واقتلعتها وأعادتها إلى الأرض رأسا على عقب.
إعلان
وفي ارتباطها بهذه الشجرة الأسطورية المهيبة، تعلمت الشعوب الأفريقية الأصلية على مر القرون، العيش بتناغم معها، مزدهرة بفضل استخداماتها المتعددة بدون استنزافها، قبل أن يبدأ تأثير التغير المناخي.
وبسبب تغير المناخ الناجم عن الاحتباس الحراري، ماتت 9 من أصل 13 من أقدم وأكبر أشجار الباوباب في جنوب أفريقيا وزمبابوي وبوتسوانا خلال العقد الماضي. ويعتقد العلماء بأن ارتفاع درجات الحرارة قد أدى إلى موت هذه الأشجار بشكل مباشر، أو جعلها أضعف وأكثر عرضة للجفاف والأمراض.
وعلى الرغم من أن الباوباب معرضة لتهديدات مثل إزالة الغابات والحرائق، يركز الباحثون بشكل خاص على أن التغير المناخي يهدد بقاءها، خاصة في مناطق مثل مدغشقر؛ إذ تشير النمذجة المناخية إلى انقراض بعض الأنواع في المستقبل القريب.
إقرأ المزيد


