الجزيرة.نت - 11/26/2025 11:00:27 AM - GMT (+3 )
رام الله – يرزح قطاع التعليم الحكومي الفلسطيني في الضفة الغربية تحت وطأة أزمات متراكمة ألقت بظلالها على أداء الطلبة والمعلمين على حد سواء، تضاف إلى الآثار الكارثية للاحتلال وحرب الإبادة في قطاع غزة.
فمنذ انطلاق العام الدراسي الحالي تمر العملية التعليمية بحالة إرباك متعددة الأوجه، أبرزها ناتج عن الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية والتي جعلتها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها كاملة ودفعتها إلى تقليص عدد أيام الدوام في الأسبوع إلى 3 أيام، في وقت يواصل فيه مئات المعلمين الإضراب عن العمل مطالبين برواتبهم.
وبالتوازي، يتكرر التعليق القسري لدوام المدارس نتيجة الاقتحامات الإسرائيلية لمدن الضفة وقراها ومخيماتها، بالتزامن مع تأثيرات الحرب على قطاع غزة وقبلها جائحة كورونا عام 2020.
إضراب المعلمينمن الوقفة أمام وزارة التربية والتعليم للمطالبة بحقوق المعلمين وعودة الدوام الطبيعي للمدارس.
يجب أن يكون حراك الشارع والأهالي أقوى من ذلك وأن لا تتركوا السلطة تدمر التعليم الفلسطيني الذي تفاخرنا به لسنوات. pic.twitter.com/uFTJP3Rw91
— yaseenizeddeen (@yaseenizeddeen) November 20, 2025
بعيدا عن اتحاد المعلمين، وهي الجهة النقابية الرسمية التي تمثل المعلمين في القطاع الحكومي، يقود جسم آخر يطلق على نفسه "حراك المعلمين الموحد" الإضرابات منذ بدء العام الدراسي الحالي والذي بدأ في سبتمبر/أيلول، وتلقى بياناته تفاعلا في أوساط المعلمين.
وعبر قناته بموقع تليغرام، يوجه الحراك المعلمين، ويهيب "بالجميع الالتزام بالإضراب الكلي لأن الإضراب الجزئي مخرج للحكومة من الأزمة وليس وسيلة ضغط عليها" وسط استجابة متفاوتة من المعلمين.
وأضاف متوجها للحكومة أن "إنقاذ العام الدراسي بحاجة لحكمة بالغة في هذا الوقت الحرج"، محذرا من "تصعيد قوي للفعاليات في الأيام المقبلة"، ومجددا الدعوة لتحقيق "المطالب المشروعة للمعلمين في أسرع وقت" وهي:
إعلان
- صرف الراتب كاملا والتعهد بعدم المساس به في المستقبل.
- جدولة المستحقات المالية المتأخرة ضمن سقف زمني واضح.
- صرف علاوة متأخرة (10%) بأثر رجعي من تاريخ استحقاقها في شهر يناير/كانون الثاني 2023.
- التعهد بعدم المساس بأي معلم على خلفية عمله النقابي.
وفق الأمين العام لاتحاد المعلمين الفلسطينيين سائد ارزيقات، فإن الإضراب يقتصر على بعض المدارس وخاصة جنوبي الضفة الغربية، مقدرا نسبة المنقطعين عن العمل بنحو 10%، احتجاجا على صرف الرواتب بنسب جزئية وليست كاملة، مضيفا أن "هذا أحدث حالة إرباك في العملية التعليمية والتربوية".
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الاتحاد "يعمل بكل الوسائل الممكنة لتعزيز صمود المعلمين والضغط على الحكومة لرفع مستوى صرف الرواتب وتمييز المعلمين عن غيرهم من الموظفين بالنسبة للصرف".
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري صرفت الحكومة الفلسطينية رواتب موظفيها عن شهر أغسطس/آب بنسبة لا تقل عن 60% وبحد أدناه 2000 شيكل (نحو 600 دولار) وهو ما يعادل راتب معلم جديد.
وتابع ارزيقات "نتحدث إلى جميع المعلمين والمعلمات في إطار تحمّل المسؤولية التربوية والوطنية عن العملية التعليمية والتربوية لأن للاحتلال هدفا واضحا في تدمير المؤسسات وتجهيل أبنائنا شعبنا".
وأضاف أن الاحتلال يسعى إلى الضغط على الشعب الفلسطيني "لإيصاله إلى حالة الاستسلام من خلال حجز أموال المقاصة، وشن حرب اقتصادية على شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية توازي حرب الإبادة في قطاع غزة".
رواتب منقوصةعاجل | حراك المعلمين الموحد في بيان له:
– نحمّل الحكومة واتحاد المعلمين مسؤولية ما يتعرض له المعلمون من عقوبات وخصومات
– ندعو إلى اعتصام أمام وزارة التربية والتعليم في رام الله يوم الأربعاء الساعة 12:30 ظهرًا
– نناشد أولياء الأمور بتسليم كتاب خطي لوزير التربية، يطالب باستثناء… pic.twitter.com/6kgZ2laeKt
— القسطل الإخباري (@AlQastalps) November 18, 2025
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 يتلقى الموظفون العموميون في فلسطين، وعددهم قرابة 146 ألف موظف، أجورهم منقوصة، لعدم قدرة الحكومة على توفير كامل فاتورة أجورهم الشهرية بسبب استمرار احتجاز إسرائيل لأموال الضرائب الفلسطينية والاقتطاعات منها حتى تجاوزت 13 مليار شيكل (نحو 4 مليارات دولار) في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وعن نتيجة اتصالات الاتحاد مع الحكومة، قال ارزيقات "إن هناك استجابة، ونحن نمارس أقصى أدوات الضغط عليها إلا أنه لا يوجد لديها شيء لتعطيه".
وينفي الأمين العام لاتحاد المعلمين أي تأثير للإرباك على تحصيل الطلبة حين انتقالهم للحياة الجامعية، مؤكدا أن أداءهم "متميز"، وأنه لم يرد للاتحاد أي معلومة عن تراجع تحصيلهم الجامعي، "بالعكس هم مصدر فخر ويحصلون على نتائج عليا في الجامعات".
وشدد على أنه لا حل لمشكلة رواتب المعلمين ولا رواتب كاملة أو مستحقات أو متأخرات من دون أن تحل أزمة المقاصة كونها المورد الأساسي للحكومة في إطار صرف الرواتب.
إعلان
وحاولت الجزيرة نت التواصل مع وزارة التربية والتعليم للتعقيب على الإضراب وتقديرها لمآلات الإرباك العملية التعليمية، من دون جدوى.
لكن وزير التربية والتعليم العالي الدكتور أمجد برهم قال في مقابلة مع تلفزيون فلسطين منذ أيام إن الحكومة "حريصة كل الحرص على تأمين ما يمكن تأمينه من رواتب في ظل الحصار"، مضيفا أن "الجميع يعرف مدى الضرر والفاقد التعليمي نتيجة الأزمات المختلفة".
مؤشرات خطيرة"كرامة المعلم خط أحمر"..
وقفة حاشدة للمعلمين في مدينة يطا جنوب الخليل احتجاجا على قرار التربية بإيقاف عدد من المعلمين وللمطالبة بحقوقهم. pic.twitter.com/kCaPmN7yyR
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) November 17, 2025
وعن عواقب الإرباك في العملية التعليمية، يذكّر الدكتور رفعت صباح، رئيس الائتلاف التربوي الفلسطيني والمدير العام لمركز إبداع المعلم، بتقرير صدر عن مجلس الوزراء قبل 10 سنوات يقول إن 40% من طلبة الصف الرابع الأساسي لا يجيدون القراءة والكتابة، مقدرا أن النسبة الآن أعلى وقد تبلغ 60%، نتيجة "آلاف الحصص الدراسية الضائعة من دون بدائل لتعويضها".
وأضاف أن الإضرابات، وقبلها جائحة كورونا، والأوضاع الأمنية والسياسية والمالية، والأجواء النفسية التي رافقت حرب غزة، أثرت كلها بشكل كبير على عطاء المدرسين أيضا.
وأوضح للجزيرة نت أن الفلسطينيين تاريخيا كانوا ينظرون إلى التعليم على أنه أحد أدوات الحياة والصمود، متسائلا: هل بقي كذلك؟ وهل ما زال الفلسطينيون يعتقدون أن التعليم سر وجودهم وسر بقائهم وسر صمودهم؟
وحذر من خطورة الوضع الحالي وإمكانية تعرض مجموع الطلاب بشكل عام لحالة من الأمية والتسرب من المدارس، بعد أن كانت فلسطين متقدمة في التعليم على كثير من الدول العربية.
الأستاذة الجامعية إسراء أبو عياش من جامعة القدس المفتوحة تنبهت إلى المخاطر التي يتعرض لها التعليم بفلسطين، وأعدّت عن ذلك بحثا علميا بعنوان "التعليم في فلسطين: أزمات متعاقبة، وفاقد تعلمي متراكم" نشرته في سبتمبر/أيلول 2024 بمجلة العلوم الاجتماعية وهي مجلة دورية دولية علمية محكمة تصدر من ألمانيا.
وبرأي الخبيرة الفلسطينية في حديثها للجزيرة نت، فإن قطاع التعليم في فلسطين يواجه اليوم أحد أكبر التحديات التي مر بها في تاريخه، مؤكدة أنه لا يمكن مناقشة الإرباك الحادث حاليا بمعزل عن السنوات السابقة وتحديدا منذ جائحة كورونا عام 2020 وما تبعها من إضرابات للمعلمين وحرب غزة.
وتضيف أن الأزمات الممتدة خلفت "كارثة وطنية" بطريقة لا تترك مجالا لإعادة التوازن بشكل ممنهج ومنظم من قبل السلطة أو حتى من قبل المؤسسات المدنية.
وتطرقت الأكاديمية الفلسطينية إلى عواقب الإرباك في العملية التعليمية، ومنها التسرب من المدارس، وغياب قيم اجتماعية وثقافية وأخلاقية لا يمكن أن تنمو إلا في المدرسة، وانعدام التكافؤ في الفرص في التعليم "إذ أصبح التعليم للمقتدرين الذين ينقلون أبناءهم إلى المدارس الخاصة أو مدارس الأونروا خشية ضياع العام الدراسي".
وعبرت الباحثة الفلسطينية عن مخاوفها من تسلل الجهل إلى نحو نصف الطلبة، مشددة على أن المسؤولية الاجتماعية تفرض على الجميع البحث عن حلول غير تقليدية تشارك فيها المؤسسات المدنية وغير الحكومية بدور أوسع.
جدير ذكره أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل في قطاع غزة 18 ألفا و639 طالبا وطالبة وأصاب نحو 28 ألفا آخرين خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما قتل 792 معلما ومعلمة وأصاب 3251 آخرين خلال الفترة نفسها، وفق وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية.
إعلان
كما قتل الاحتلال في الضفة 112 طالبا وطالبة وأصاب 799 آخرين، إضافة إلى قتله 5 معلمين وإصابة 25 آخرين واعتقال 201.
إقرأ المزيد


