"وقت الأرض".. صيحة عالمية جديدة لخفّض التوتر وتعزيز الصفاء الذهني بالاستلقاء
الجزيرة.نت -

في ظل صخب الحياة وإيقاعها المتسارع اعتاد الهولنديون اللجوء إلى ممارسة "نيكسن" أو "فن عدم فعل أي شيء"، وهي تقنية تستند إلى منح العقل والجسد لحظات من الراحة التامة وتصفية الذهن بعيدا عن أي مهام أو مشتتات.

وعلى نفس النهج ظهر مؤخرا اتجاه جديد اجتاح منصات التواصل الاجتماعي، حيث بدأ كثير من المستخدمين في مشاركة صور ومقاطع وهم يقضون بضع دقائق في "التخلي"، مستلقين على الأرض فيما بات يعرف بـ"وقت الاستلقاء على الأرض".

اقرأ أيضا list of 2 itemsend of list

وحصد هذا الاتجاه ملايين المشاهدات على تطبيق "تيك توك"، إلى جانب موجة من التعليقات الإيجابية التي تصفه بأنه "أفضل أوقات اليوم" أو "العلاج المجاني".

وبخلاف اتجاهات العافية الأخرى التي تتطلب جهدا إضافيا مثل كتابة اليوميات أو الغطس في الماء البارد فإن الاسترخاء على الأرض لا يتطلب أي مجهود، فهو ببساطة دعوة للهدوء وتصفية الذهن، مما يعود بفوائد جسدية ونفسية عديدة تشمل تخفيف التوتر وتعزيز اليقظة الذهنية وتحسين التركيز وتحفيز الإبداع.

يضاف إلى ذلك كسر رتابة الجلوس الطويل أمام المكتب، ولا يتطلب الأمر سوى الاستلقاء على سجادة أو أرضية خشبية أو حتى على العشب بحيث تتلامس مؤخرة رأسك مع الأرض، مدّد أطرافك وأغمض عينيك، واترك جسدك يستقبل لحظات من السكون، دقائق قليلة قد تكون كافية للهروب من ضجيج اليوم واستعادة التوازن الداخلي.

التواصل مع اللحظة الحالية

توضح الاختصاصية النفسية الدكتورة بوليانا كاسمار في حديثها لموقع جامعة كاليفورنيا سان دييغو أن الاستلقاء على الأرض كان دائما جزءا من ممارسات الاسترخاء واليقظة الذهنية.

وتشير إلى أنه يشبه إلى حد كبير وضعية "الشافاسانا" الشهيرة في اليوغا، والتي تهدف إلى تعزيز الوعي الجسدي وتهدئة العقل.

وتقول كاسمار إن الاستلقاء على الأرض يساعد الشخص على أن يصبح أكثر حضورا في جسده وأقل انشغالا بتدفق الأفكار، فمع ملاحظة أجزاء الجسم التي تلامس السطح الصلب تزداد القدرة على الشعور بالإحساس الجسدي، مما يدعم التنظيم العاطفي ويقلل التوتر الداخلي.

إعلان

كما تشير إلى أن الاستلقاء على سطح ثابت يشجع على الاسترخاء الطبيعي والتنفس بسلاسة، وهو ما يفعّل عمل الجهاز العصبي الباراسمبثاوي المسؤول عن تهدئة الجسم واستعادة توازنه، الأمر الذي ينعكس إيجابا على القدرة على إدارة الضغوط مع مرور الوقت.

ويتفق معها الطبيب النفسي الدكتور سابار روهيت الذي يؤكد في تصريحات لموقع "هيلث شوت" أن هذه الممارسة البسيطة تمنح الجسم شعورا أوضح بالاتصال بالأرض وتساعد العقل على الاسترخاء.

ويضيف أنها لا تحتاج إلى تجهيزات أو خبرة مسبقة، فقط مساحة هادئة في المنزل أو المكتب وبضع دقائق يوميا.

وتدعم هذه الآراء دراسة صغيرة نُشرت عام 2021 في المجلة الدولية للتقدم في إدارة التمريض، وأُجريت الدراسة على 30 مريضا بالاكتئاب في الهند، وأظهرت انخفاضا ملحوظا في مستويات الاكتئاب بعد ممارسة وضعية الشافاسانا (الاستلقاء الكامل على الأرض)، مما يعزز دور هذه الممارسة في تحسين الصحة النفسية والاتصال باللحظة.

كيف يقلل "وقت الأرض" التوتر؟

بحسب مدرسة هارفارد للصحة العامة، فإن التعرض المستمر للتوتر يرفع ضغط الدم ويؤثر على وظائف الدماغ، مما يزيد احتمالية الإصابة بالقلق والاكتئاب، ولذلك ينصح الخبراء باتباع هذه الممارسة البسيطة لتعزيز القدرة على مواجهة التحديات اليومية والحفاظ على الهدوء عند الشعور بالضغط، وذلك عبر آليات عدة:

يوفر الاستلقاء على الأرض شعورا واضحا بالتأريض، وهو مفيد خصوصا لمن يعانون من التفكير المفرط أو من يعيشون تحت ضغوط مزمنة.

وتشير دراسة منشورة في دورية "إكسبلور" عام 2020 إلى أن الاتصال الجسدي بالأرض وتلامس الجسم مع شحنتها الكهربائية الطبيعية يمكن أن يقللا الالتهاب والألم والتوتر، مما ينعكس على تحسين جودة النوم وتدفق الدم.

  • تهدئة العقل

يساعد الاستلقاء على خلق إحساس بالسكينة والأمان، إذ يستقبل الدماغ إشارات بأن وقت الراحة قد حان، مما قد يؤدي إلى خفض مستويات هرمونات التوتر وإبطاء معدل ضربات القلب.

يميل الأشخاص أثناء الاستلقاء إلى التنفس بشكل أعمق وأكثر انتظاما، وهو ما يدعم الهدوء ويقلل التوتر بصورة طبيعية.

يمنح الاستلقاء مساحة لتصفية الأفكار وإعادة تنظيمها، ويسهم في تهدئة الأفكار المتسارعة الناتجة عن ضغط العمل أو الانشغال المستمر، مما يساعد على العودة إلى حالة ذهنية أكثر هدوءا، ويعزز الإبداع والقدرة على اتخاذ قرارات أوضح.

وإلى جانب فوائده النفسية تسهم هذه الممارسة أيضا في تحسين وضعية الجسم ومحاذاة العمود الفقري.

وتوضح مدربة اليوغا يارا كمال لموقع "فيري ويل مايند" أن حياتنا اليومية تجعلنا نقضي ساعات منحنين أمام الشاشات أو جالسين على مكاتب أو متكئين على أرائك غير داعمة، في حين يسمح الاستلقاء على الأرض للجاذبية بسحب الجسم بالتساوي، مما يساعد على إعادة التوازن وتصحيح الاختلالات الناتجة عن الوضعيات الخاطئة.

كما وجدت دراسة نُشرت عام 2017 في المكتبة الوطنية الأميركية للطب (إن إل إم) أن الاستلقاء على الظهر مع وضع اليدين على الجانبين أو على الصدر يساعد على تخفيف آلام الرقبة واسترخاء العضلات.

كيفية ممارسة "وقت الأرض"

يمكنك ممارسة "وقت الأرض" في أي وقت من اليوم، ولتجربته اختر مكانا نظيفا وهادئا، حيث يمكنك الاستلقاء على الأرض بشكل مريح، واستلق في الوضعية التي تريحك، سواء على ظهرك مع مد يديك وساقيك أو في وضعية الجنين أو الاستلقاء على ظهرك مع ثني ركبتيك، أغمض عينيك أو انظر إلى السقف وتنفس بعمق أو تنفس بوتيرة بطيئة ومتساوية.

إعلان

لا توجد مدة مثالية للوقت المخصص للاستلقاء على الأرض، ولكن يمكنك أن تبدأ بـ5 إلى 10 دقائق يوميا مع زيادة المدة تدريجيا بناء على كيفية استجابة جسمك، إذ يكمن السر في الانتظام حتى يبدأ جسمك وعقلك بإدراك هذه الممارسة كإشارة للاسترخاء والراحة.

وفي النهاية، عند النهوض حاول أن تنهض ببطء، إذ قد يؤدي تغيير وضعيتك بشكل مفاجئ إلى تغير ضغط الدم، مما قد يؤدي إلى الدوار والإغماء.



إقرأ المزيد