الجزيرة.نت - 12/1/2025 8:11:02 AM - GMT (+3 )
كما كشفت المقابلات عن مجموعات مغلقة يتبادل أعضاؤها الأسئلة حول "تكلفة تأجير الشهادة" و"أفضل التخصصات المطلوبة"، في مشهد يُظهر أن الظاهرة تجاوزت حدود النقاش النظري إلى ممارسة متكررة ومنظمة داخل القطاع الطبي الأردني. وثيقة: نسخة من عقد رُصد ضمن التحقيق توضح بنود اتفاق لتأجير شهادة طبية (حُجبت البيانات الشخصية لأطراف العقد).
من البائع إلى المشتري – الحكايات الشخصيةومع توسع هذه الممارسات، لم يعد "تأجير الشهادات" مجرّد استثناء عابر، بل تحول إلى تجارة تُدار بعناية تحت مظلة الحاجة والربح، وبدأت ملامح سوق موازية تتشكل داخل القطاع الصحي، تعمل في الخفاء، لكنها تترك أثرا واضحا في ثقة المرضى وجودة الخدمات.
وراء كل اسم على واجهة عيادة أو صيدلية قصة إنسان اضطر لتأجير مستقبله مقابل دخل شهري يسد حاجاته الأساسية. ضغوط الحياة دفعت بعض الأطباء والصيادلة إلى قرارات صعبة، وضعتهم في مساحة رمادية بين الحاجة والضمير.
يقول الطبيب محمد (اسم مستعار) إن فكرة تأجير شهادته كانت آخر ما قد يفكر به. بعد أعوام من الدراسة والديون، وجد نفسه عاجزا عن الوفاء بالتزاماته، فعبر شبكة معارفه التقى مستثمرا يبحث عن مشروع طبي، وتوصلا إلى اتفاق يقضي بتأجير اسمه مقابل 600 دينار شهريا. (نحو 840 دولارا أميركي) يصف محمد التجربة بأنها "الملاذ الأخير من أزمة خانقة"، ويعترف أن الشهادة التي حلم بها لإنقاذ الناس تحولت إلى وسيلة لإنقاذ نفسه من الفقر.
أما الطبيب رائد (اسم مستعار) فقبل عرضا مشابها لتسجيل اسمه في مركز طبي غير مرخص، لقاء مبلغ ثابت ودون عقد رسمي. ورغم إدراكه للمخاطر القانونية، يرى أن "المشكلة بالنظام الذي جعل الشهادة عبئا بدل أن تكون فرصة".
القصة ذاتها تكررت مع الطبيب العام مروان (اسم مستعار)، الذي أجّر شهادته لترخيص عيادة تجميل. يقول إن العقد "قانوني في ظاهره لكنه في جوهره تأجير صريح"، ويتضمن بندا يعفيه من أي مسؤولية مهنية. يصفه بأنه "درع شكلي لا يحمي من المحاسبة".
في قطاع الصيدلة تتسع الدائرة أكثر. الصيدلاني رامي (اسم مستعار) نشر إعلانا على "فيسبوك" بعد أن قرأ عن عروض مشابهة، وسرعان ما تلقى عرضا بدخل ثابت قدره 700 دينار (نحو 980 دولارا أميركيا) مقابل استخدام اسمه فقط. يقول "الاتفاق بسيط وسريع، لكن تبعاته المعنوية ثقيلة، خاصة عندما تدرك أن الصيدلية تُدار من أشخاص بلا ترخيص".
أما الصيدلانية ليلى (اسم مستعار)، فتروي قصتها بنبرة ندم "الأمر يبدو بسيطا، عقد مكتوب يحدد المدة والمبلغ، لكن كلما سمعت عن خطأ طبي أشعر أنني شاركت فيه بطريقة غير مباشرة".
من خلال تتبع التحقيق للعقود والوثائق، تبين أن معظمها يتضمن بنودا ترفع المسؤولية عن الطبيب أو الصيدلاني، في حين يحصل المستثمر على ترخيص رسمي. بذلك يصبح القانون نفسه غطاء لتجاوز القانون.
ومع اتساع هذه الممارسات، لم تعد العلاقة بين الطبيب والمستثمر شراكة مهنية قائمة على الثقة، بل صفقة صامتة تحكمها الحاجة والربح. وهكذا لم يعد السؤال من المسؤول، بل كم تساوي الشهادة في سوق الحاجة؟
إقرأ المزيد


