قمة خليجية-إيطالية في المنامة وروما تعتزم العمل على تنظيم قمة “GCC–MED”
إيلاف -

إيلاف من المنامة: ترأّس عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاربعاء في قصر الصخير، جلسة العمل الثانية للدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى، وذلك بحضور قادة ورؤساء وفود دول المجلس، ومشاركة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني.

وشدد ملك البحرين، في كلمته خلال الجلسة، على أهمية تعزيز العمل الخليجي المشترك في مختلف المجالات، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة. وأكد الملك حمد  أن المرحلة الراهنة تتطلب مزيداً من التنسيق بين دول المجلس، خصوصاً في القضايا الأمنية والدفاعية ومواجهة التحديات الإقليمية.

وأشار العاهل البحريني إلى أن أمن دول الخليج كلٌّ لا يتجزأ، داعياً إلى مواصلة تطوير المنظومة الدفاعية المشتركة ومضاعفة الجهود في مكافحة الإرهاب والتصدي لأي تهديدات تستهدف أمن واستقرار دول المجلس.

وفي محور العلاقات الدولية، نوّه الملك حمد إلى أهمية الشراكات الاستراتيجية مع الدول الصديقة، وفي مقدمتها إيطاليا، مشيداً بمتانة العلاقات الخليجية–الأوروبية، ومؤكداً أن التعاون مع الشركاء الدوليين يشمل مجالات الأمن البحري والطاقة والاستثمار والاقتصاد الأخضر.
من جانبها، أعربت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني عن اعتزازها بالمشاركة في القمة الخليجية، مؤكدة رغبة بلادها في تعميق التعاون مع دول المجلس، ولا سيما في مجالات الطاقة والأمن والاستثمارات المشتركة.

ميلوني لدى استقبالها من طرف عاهل البحرين شريك طبيعي 

وقالت ميلوني إن إيطاليا تنظر إلى دول الخليج بوصفها شريكاً طبيعياً، مشيرة إلى أن بلادها تحمل إرثاً حضارياً يقوم على الحوار والتفاهم والانفتاح دون التفريط بالهوية، وهي قيم – كما قالت – مكّنت الحضارة الإيطالية من التفاعل مع العالم عبر آلاف السنين.

وأضافت أن البحر المتوسط والخليج "فضاءات مترابطة جغرافياً وتاريخياً"، محذرة من النظر إليهما كـ "بحار إقليمية" معزولة عن التحديات الكبرى، مؤكدة أن دورهُما الاستراتيجي يمتد إلى ما وراء حدودهما ليشكّلا محور اتصال بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.

وفي هذا السياق، كشفت رئيسة الوزراء الإيطالية عن نية بلادها العمل على تنظيم قمة "GCC–MED"، معلنة استعداد روما لاستضافتها "من أجل إطلاق إطار جديد وطموح للحوار بين دول الخليج ودول المتوسط". وقالت إن هذا الإطار "لا يهدف لمنافسة أي منصات دولية قائمة، بل للبناء على نقاط القوة وتعزيز التكامل".

وشددت ميلوني على أن تعزيز الترابط الاقتصادي يجب أن يكون في صلب هذا التعاون، مشيرة إلى مشروع الممر الاقتصادي الهند – الشرق الأوسط – أوروبا بوصفه مبادرة قادرة على فتح آفاق تنموية واسعة. وأكدت أن إيطاليا تعتزم لعب دور محوري في هذا المشروع، لا سيما من خلال ميناء ترييستي الذي يشكل بوابة طبيعية نحو أوروبا الوسطى والشرقية.

مشروع كابل "بلو رامن"

وفي الجانب الرقمي، توقفت ميلوني عند مشروع كابل "بلو رامن" الذي سيربط الهند بأوروبا عبر المتوسط والخليج وإيطاليا، معتبرة أنه جزء أساسي من بنية تحتية ستلبي الطلب المتصاعد على الاتصال، خصوصاً في ظل التطور الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما دعت ميلوني إلى تأسيس دبلوماسية طاقة جديدة بين الجانبين، ترتكز على تنويع مصادر الطاقة والحياد التكنولوجي، مشيرة إلى التقنيات الواعدة مثل الاندماج النووي الذي قد يحدث نقلة تاريخية في مجال الطاقة النظيفة وغير المحدودة.


إيطاليا "بوابة طبيعية" لدول الخليج إلى السوق الأوروبية

وأشارت ميلوني إلى أن إيطاليا "بوابة طبيعية" لدول الخليج إلى السوق الأوروبية، لافتة إلى أن حجم التبادل الاقتصادي بين الجانبين البالغ 35 مليار دولار سنوياً "لا يعكس الإمكانات الحقيقية" لهذه الشراكة. وأوضحت أن "النظام الإيطالي" يقوم على نقل المعرفة والخبرة الصناعية والتمويل، وليس على تصدير المنتجات فقط.

وشددت ميلوني على أهمية التعاون بين أوروبا وإيطاليا ودول الخليج وشمال أفريقيا لبناء "فضاء جيوسياسي أكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً"، لافتة إلى أن الخليج – رغم مكانته كممر رئيسي للملاحة العالمية – يظل عرضة لتوترات الشرق الأوسط، ما يستدعي مزيداً من الشراكات الاستراتيجية.

ميلوني تصافح سلطان عمان دبلوماسية طاقة مشتركة 

وفي محور الطاقة، دعت ميلوني إلى إطلاق دبلوماسية طاقة مشتركة تقوم على الحياد التكنولوجي وتنوّع المصادر، مشيرة إلى أهمية تقنيات المستقبل مثل الاندماج النووي القادر على إحداث تحول جذري في إنتاج الطاقة النظيفة.

وقالت إن إيطاليا يمكن أن تكون "البوابة الطبيعية" لدول الخليج نحو السوق الأوروبية، مشددة على أن حجم التبادل التجاري الحالي، الذي يبلغ 35 مليار دولار سنوياً، "لا يعكس الإمكانات الحقيقية" للشراكة بين الجانبين. وأضافت أن "النظام الإيطالي" يقوم على التعاون ونقل المعرفة وليس على العلاقة التقليدية بين بائع ومشترٍ.

ثلاثة مسارات للاستقرار في الشرق الأوسط

وخصصت ميلوني جزءاً مهماً من خطابها لطرح ثلاثة مسارات رئيسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

المسار الأول يتعلق بالشرق الأوسط اذ أشارت ميلوني إلى أن الخطة التي قدّمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب توفر “فرصة حقيقية لإرساء إطار دائم للسلام”، رغم هشاشة الهدنة الحالية. وأكدت التزام بلادها بدعم الجهود الدولية المنسقة في شرم الشيخ، ومواصلة تدريب الشرطة الفلسطينية والمساهمة في إعادة الإعمار.

وشددت على تمسك إيطاليا بحل الدولتين، معتبرة أنه السبيل الوحيد لضمان أمن واستقرار طويل الأمد، “على أساس اعتراف إسرائيل بحق الفلسطينيين في دولتهم، والاعتراف بحق دولة إسرائيل في الأمن والوجود”.

اما المسار الثاني فيتعلق بإيران حيث أكدت ميلوني أن على إيران ترجمة تصريحاتها بعدم السعي لامتلاك سلاح نووي إلى اتفاق “واضح وموثوق” تشارك فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالكامل، بما يطمئن المجتمع الدولي.

وأعلنت استعداد بلادها لاستئناف دورها الدبلوماسي، كما فعلت سابقاً عندما استضافت جولات تفاوض بين إيران والولايات المتحدة، مؤكدة أن روما مستعدة “لتقديم كل دعم مفيد” لإحياء المسار التفاوضي.

ويتعلق المسار الثالث بمكافحة الإرهاب والتطرف، اذ دعت ميلوني إلى مواصلة مكافحة الإرهاب بجميع الأدوات المالية والعسكرية والقضائية، مشيرة إلى نجاحات مشتركة سابقة، لكنها أكدت الحاجة إلى المزيد من العمل الجماعي.

ميلوني في قمة المنامة ميلوني والانفصالية الإسلامية 

وتطرقت ميلوني إلى ظاهرة “الانفصالية الإسلامية” في بعض الدول الأوروبية، والتي وصفتها بأنها “عدم تقبّل بعض الجاليات لقوانين المجتمعات الأوروبية”، ما يهدد التماسك الاجتماعي. ودعت إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج لبناء مسارات مشتركة تمنع التطرف وتدعم الاندماج، مؤكدة أن احترام قوانين وثقافة الدولة المضيفة هو قاعدة أساسية.
وخلصت ميلوني إلى القول انها أثناء التحضير لهذا اللقاء، اكتشفت أحد أكثر رموز هذه الأرض سحراً:"شجرة الحياة"   الأكاسيا المذهلة التي ازدهرت في صحراء البحرين لأربعمئة عام، مشيرة إلى أنها رمز لما يبدو مستحيلاً لكنه يصبح ممكناً.مثل "التعاون بيننا، الذي يحاول البعض تصويره على أنه مستحيل، لكنه قادر   مثل "شجرة الحياة"   على الازدهار طويلاً وبغنى".

بدوره، قال جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية،إن العلاقات بين دول المجلس وإيطاليا تشهد تطورًا متسارعًا يرسخ شراكة استراتيجية آخذة في الاتساع، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد إطلاق آليات مؤسسية جديدة للحوار والتنسيق بين الجانبين.

علاقات راسخة وتطور لافت

وأوضح البديوي أن العلاقات الخليجية–الإيطالية “علاقات راسخة تمتد جذورها عبر عقود من التعاون البنّاء”، مشيرًا إلى أنها ترتكز على الثقة المتبادلة وتلاقي المصالح، وأن مشاركة رئيسة الوزراء الإيطالية هذا العام “تجسد الإرادة السياسية المشتركة للارتقاء بالشراكة إلى مستويات أوسع”.

وقال إن السنوات الماضية شهدت “تطورًا واضحًا” في التعاون السياسي والأمني بين الجانبين، وتناميًا في التشاور حول قضايا المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وهو ما ينسجم مع توجهات مجلس التعاون لبناء شراكات دولية متينة تقوم على الأمن الجماعي والحلول الدبلوماسية للنزاعات.

آليات جديدة للحوار وخطة عمل مشتركة 2026–2030

وكشف البديوي أن الجانبين يعملان على توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء آلية مشاورات منتظمة، بما يعزز الحوار السياسي والدبلوماسي بين دول المجلس وروما.

وأضاف أن العمل جارٍ لاستكمال اعتماد خطة العمل المشترك 2026–2030، التي تشمل التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية، إضافة إلى الثقافة والسياحة.

اقتصاد ينمو وتبادل تجاري يرتفع

ووصف البديوي  العلاقات الاقتصادية بين الطرفين بأنها “نموذج متقدم للشراكات الفاعلة”، موضحًا أن حجم التبادل التجاري بلغ في عام 2024 أكثر من 35 مليار دولار، بزيادة تقارب 7% عن العام السابق.

ووفق الأرقام، بلغت صادرات دول المجلس إلى إيطاليا نحو 11 مليار دولار، بينما سجلت الواردات الخليجية ما يقارب 24 مليار دولار.

وأشار البديوي إلى توسع التعاون العسكري من خلال التدريب وتبادل الخبرات ونقل المعرفة، مؤكدًا وجود فرص واسعة لتعزيز الشراكة في قطاعات الطاقة والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والاقتصاد الرقمي، والبنية التحتية والخدمات اللوجستية.

إيطاليا ودورها المحوري داخل الاتحاد الأوروبي

وأكد البديري أن الشراكة مع إيطاليا تستند أيضًا إلى العلاقات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن روما لعبت دورًا مؤثرًا في تعزيز هذا التعاون خلال السنوات الماضية، بما ينعكس إيجابًا على الأمن الإقليمي والتنسيق الدولي.

شراكة تتعزز وثقة تتجدد

وشدد البديوي على أن دول المجلس ماضية نحو “مرحلة أكثر تقدمًا” في شراكتها مع إيطاليا، تقوم على الثقة المتبادلة وتطابق المصالح، وعلى تاريخ طويل من التعاون البنّاء.

وأوضح أن هذه الشراكة أصبحت “ركيزة استراتيجية لا غنى عنها” في ظل التحولات الدولية المتسارعة، وعنصرًا أساسيًا في ترسيخ الأمن والاستقرار وتحقيق الازدهار الإقليمي والدولي.

جلسة العمل المغلقة

وعقب المداولات العامة، ترأس الملك حمد بن عيسى آل خليفة الجلسة المغلقة للقمة، بحضور قادة دول المجلس وممثليهم، ورئيسة الوزراء الإيطالية، حيث جرى استعراض آفاق تطوير علاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وبحث فرص تعزيز التعاون والعمل المشترك في مختلف المجالات بما يخدم المصالح المتبادلة.



إقرأ المزيد