الجزيرة.نت - 12/4/2025 2:54:55 PM - GMT (+3 )
في جولة داخل “فرع 215 بسوريا المعروف باسم “فرع الموت”، عاد بعض السجناء السابقين إلى الزنازين التي شهدت رحلة التعذيب؛ ليسردوا ذكرياتهم من موقع الحدث.
في زوايا مظلمة من التاريخ السوري، حيث تختلط رائحة الخوف بالدماء والذكريات الممزقة، سرد الناجون من فرع الأمن السوري 215 -أسوأ سجون نظام بشار الأسد– فظائع لا يجرؤ التاريخ على نسيانها.
ووثق فيلم "فرع الموت" -الذي أطلقته الجزيرة 360 يوم (2025/12/4)، والمتاح للمشاهدة عبر هذا الرابط– شهادات المعتقلين السابقين، في إطار السعي لتسليط الضوء على ما يُعرف بـ"الهولوكوست السوري"، أحد أكثر الأفرع الأمنية سيطرة على التعذيب النفسي والجسدي حتى الموت.
تفاصيل الاعتقالتكشف الشهادات أن الاعتقال لم يكن إلا عملية خطف منظمة. وهذا ما يؤكده الناجي سامر في شهادته، إذ إنّه أُوقف عند حاجز أمني أواخر عام 2016 بدون توجيه أي تهمة، ليُقتاد مباشرة إلى السرية 215، حيث تُنفَّذ عمليات الاعتقال المباغتة في وضح النهار.
كما سلط الفيلم الضوء على قصة اعتقال الدكتور محمد زكريا النداف، أستاذ كلية الشريعة بجامعة دمشق، الذي اختُطف مع زوجته فاطمة شعبان من ساحة الأمويين في مايو/أيار 2013 بسبب مواقفه المعارضة قبيل الثورة. وبعد ساعات من وصولهما إلى الفرع، تمت تصفيته وفق ما أكدته زوجته، التي لم تعلم بوفاته إلا بعد خروجها من السجن.
وبحسب الزوجة فاطمة شعبان فقد كانت آخر مرة ترى فيها زوجها، قبل أن يقتله عناصر الأمن خلال الساعات الأولى من الاعتقال، إلا أنها لم تكن تعلم أنه قتل إلا حين خرجت من السجن.
ويصف المعتقلون السابقون مثل محمد السعيد وياسر بحر ونور الجزائري صعوبة المكوث في الزنزانة، حيث يتفاقم الألم النفسي بسبب الصراخ المستمر حولهم، والذي يكون في كثير من الأحيان أكثر قسوة من الضرب نفسه. ويقول المعتقل السابق سامر بكر: "الموت أرحم من الفوت (الدخول) على هذا الفرع".
وتحدث المحررون عن المعاناة النفسية التي عانوا منها بسبب مشاهدة الأطفال والنساء وهم يتعرضون للتعذيب أمام السجناء، ما زاد الضغط النفسي المستمر على المعتقلين.
أساليب التعذيبوفي سياق متصل، عرض الناجون تفاصيل أساليب التعذيب المستخدمة التي شملت "الكرسي الألماني" و"الشبح" والضرب بالكابلات ودق المسامير في الأقدام، فضلا عن التعذيب النفسي من خلال إجبار المعتقلين على سماع صراخ رفاقهم والتهديد باعتقال ذويهم.
وأظهرت الشهادات معاناة المعتقلات النساء بشكل خاص، حيث تعرّضن لعمليات تفتيش مهينة على يد رجل مسن يُدعى "شر شديل"، كما وثّقت إحدى الناجيات اعتقال طفلة بعمر 3 سنوات مع والدتها من بلدة مضايا المحاصرة.
وعلى صعيد ظروف الاحتجاز، تحدث المحررون عن الاكتظاظ الشديد، حيث كان يصل عدد المعتقلين في الزنزانة الوحدة إلى 77 معتقلا، مع حرمان كامل من الشمس والهواء والماء النظيف، ووجبات طعام لا تتجاوز ملعقة لبن وقطعة خبز.
كما أن حالات الوفاة اليومية كانت مشهدا اعتياديا. تُترك الجثث إلى جوار الأحياء لأيام قبل نقلها، وروى أحد الناجين أنه استيقظ مرة فوجد عسكريا يدوس على أكثر من 20 جثة مرمية في الممر.
محاولة للنجاةومن جهة أخرى، ابتكر المعتقلون وسائل للتواصل ومقاومة الضغوط النفسية التي يتعرضون لها، منها حفر ثقوب في الجدران لتبادل الرسائل وتدوين أسمائهم على الحيطان خشية النسيان، إذ كان النظام يستبدل الأسماء بأرقام لإخفاء هوية الضحايا.
كما عبّر المحررون عن صدمتهم بسقوط نظام الأسد بعد سنوات من اليأس، حيث وصف أحدهم حالته النفسية بعد الإفراج عنه بأنه لا يزال غير مصدق أنه على قيد الحياة، معترفا بشعوره أحيانا بأنه "مات هناك" وأن ما يعيشه مجرد خيال.
ويتفق المحررون على أن مثل هذه السجون يجب أن تتحول إلى متاحف للتوعية والتوثيق، بدل أن تبقى رموزا للتعذيب والعنف، لضمان عدم تكرارها في المستقبل. كما يؤكدون على أهمية الحفاظ على الأسماء والتواريخ والذكريات، لبث رسالة عالمية عن القوة والصمود البشري وسط أقسى الظروف.
ويعرف فرع 215 رسميا بهذا الاسم لأنه يتبع إدارة الأمن السياسي في دمشق رقم 215، وأصبح رمزا لرعب النظام السوري منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، واستمر في ممارسة التعذيب الجماعي خلال الحرب السورية بعد 2011.
Published On 4/12/2025
|آخر تحديث: 14:37 (توقيت مكة)
شارِكْ
إقرأ المزيد


