علماء للجزيرة نت: وضعنا موجات المحيط على شريحة من السيليكون
الجزيرة.نت -

Published On 5/12/2025

|

آخر تحديث: 12:41 (توقيت مكة)

شارِكْ

تمكن فريق بحثي من جامعة كوينزلاند الأسترالية من ضغط موجات المحيط المتلاطمة بما تحويه من تعقيد هائل، إلى منصة ميكروية بعرض الشعرة البشرية في خطوة علمية غير مألوفة.

إذ استطاع العلماء تطوير ما يشبه قناة من أمواج المحيط على شريحة سيليكون صغيرة مغطاة بطبقة رقيقة للغاية من الهيليوم فائق السيولة، والذي يتميز بجريانه المقاوم للزوجة أو الاحتكاك.

هذه المنصة لا تُعد مجرد إنجاز تقني، بل تمثل أول نظام تجريبي قادر على محاكاة الظواهر الموجية الأكثر تطرفا في المحيطات، تلك الظواهر التي غالبا ما تعجز الحواسيب فائقة القدرة ومرافق التجارب العملاقة عن نمذجتها بالكامل. وقد نشر الباحثون نتائج منصتهم في دراسة حديثة في دورية "ساينس" العلمية.

يقول وورويك بوين، الباحث في مركز "إيه آر سي" للتميز في أنظمة الكم الهندسية، في كلية الرياضيات والفيزياء، في جامعة كوينزلاند الأسترالية، والباحث المراسل في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت، إن "الفكرة هي إنشاء محاكٍ لفيزياء موجات الماء المهمة".

ويضيف: "نريد أن نفهم كيف تنشأ الظواهر الموجية المعقدة بعمق، مثل الأمواج المتكسّرة على الشاطئ، والأمواج الانفرادية أو ظروف الطقس القاسية، ثم استخدام تلك المعرفة لتصميم تقنيات أفضل مثل توربينات الرياح وسفن أكثر كفاءة، وتحسين التنبؤ بالطقس".

صورة مجهر إلكتروني لخزان الموجات فائق الميوعة (بالأزرق) متصل بألياف بصرية تُدخل ضوء الليزر إلى الجهاز وتخرجه منه (جامعة كوينزلاند)
موج مضطرب

يُعد فهم سلوك الأمواج، خصوصا في حالة الاضطراب، أحد آخر الألغاز الكبيرة في الفيزياء الكلاسيكية. وقد وصفه الفيزيائي الشهير ريتشارد فاينمان بأنه "آخر تحد عظيم غير محلول".

يعود ذلك إلى صعوبة محاكاة الأمواج المعقدة حاسوبيا، لأنها تتطلب قدرة حسابية هائلة. كما تعتمد تجارب الأمواج على مجار أو قنوات بطول مئات الأمتار، مما يجعلها بطيئة ومكلفة. حتى تلك القنوات الضخمة لا تستطيع محاكاة الأشكال الهندسية المعقدة أو الحالات الطبيعية المتطرفة. 

بيد أن النظام الجديد الذي طوره الفريق قد حل هذه المعضلة بالكامل، يقول بوين: "يسمح استخدام الهيليوم فائق السيولة بتصغير ديناميكيات الموجة إلى قنوات بطول يعادل سمك الشعرة البشرية، مما سرّع التجارب بمقدار مليون مرة".

ويضيف: "يمكننا تصنيع آلاف القنوات على شريحة واحدة، بأشكال هندسية مختلفة، والوصول إلى تعقيد في ديناميكيات الأمواج مشابه لتلك الموجودة في أكبر ظواهر المحيط".

يساعد ذلك العلماء على دراسة الأمواج بدقة (رويترز)
الحدس لا يفيد!

إحدى أبرز النتائج التي رصدها الباحثون هي ظاهرة "التحدب الخلفي للموجة". فعلى عكس الأمواج في البحر، حيث تتحرك القمم أسرع من القيعان، فتنحني الأمواج للأمام قبل أن تنكسر، في هذا النظام، تتحرك القيعان أسرع من القمم. 

يقول بوين: "لأن الهيليوم فائق السيولة يسمح بإنتاج أمواج في طبقات يبلغ عمقها بضع نانومترات فقط، فإن تجاربنا تصل إلى مستويات من اللاخطية مماثلة لتلك الموجودة في الطبيعة".

تخيل أنك تدفع طفلا على أرجوحة. إذا دفعت دفعة صغيرة، فإن الأرجوحة تتحرك قليلا. أما إذا دفعت أقوى للضعف، فإنها تتحرك أكثر قليلا، هذا سلوك خطي. لكن تخيل أنك دفعت الأرجوحة بقوة كبيرة، فجأة تتغير الحركة، ويبدأ الطفل في فقد السيطرة، فتتحول الحركة إلى اضطراب مفاجئ، هنا دخلت حركة الأرجوحة في اللاخطية.

تُعد اللاخطية الموجية عنصرا أساسيا لفهم ظواهر مثل تسونامي، والأمواج العملاقة القاتلة. يحقق النظام الجديد مستوى من اللاخطية أعلى بمقدار 100 ألف مرة مما يمكن الوصول إليه في أكبر قنوات الأمواج الأرضية.

استبدال الجاذبية

في عالمنا الحقيقي، تتحكم الجاذبية في الموجات، لنشهد ظواهر كالمد والجزر. أما في هذا النظام، لا تتحكم الجاذبية في الموجات، بل تتحكم بها قوى تجاذب أساسية تعرف باسم قوى "فان دير فالس" بين السائل وسطح الشريحة.

هذه القوى تصبح شديدة للغاية عند المقاييس النانومترية، مما يجعل الموجات تتحرك تقريبا بالسرعة نفسها التي تتحرك بها أمواج المحيط العميقة، ولكن في مساحة شديدة الصغر.

يوضح بوين أن التحكم في هندسة الشريحة يسمح بالتحكم في انتشار الموجات، ويقول إن "الهندسة تغير طريقة انتشار الموجات، وهذا يسمح لنا بصناعة موجات بخصائص مختلفة".

حين يستطيع العلماء تسريع التجربة بمقدار مليون مرة، فإن ما كان يحتاج إلى شهور من المراقبة في قنوات الأمواج التقليدية، يمكن الآن مشاهدته في دقائق.

يختتم بوين: "نأمل في النهاية أن تتيح لنا هذه الأجهزة اكتشاف معادلات جديدة وأكثر دقة لديناميكيات الموجات غير الخطية يمكن استخدامها لتحسين نماذج المناخ والطقس، وتصميم تقنيات أفضل مثل توربينات الرياح وهياكل السفن".



إقرأ المزيد