واشنطن بوست: 70 ألف صورة جديدة تكشف حجم القتل والتعذيب بمعتقلات الأسد
الجزيرة.نت -

Published On 5/12/2025

|

آخر تحديث: 14:03 (توقيت مكة)

شارِكْ

كشفت مجموعة جديدة من الصور يزيد عددها على 70 ألف صورة التقطتها الشرطة العسكرية السورية خلال العقد الأخير من حكم بشار الأسد، حجم القتل والتعذيب والاختفاء القسري داخل نظام الاحتجاز التابع للنظام، بصورة غير مسبوقة من حيث التفاصيل والاتساع.

ويكشف الأرشيف الجديد عن كم هائل من الصور توثّق مقتل أكثر من 10 آلاف معتقل بين 2015 و2024، وهي الفترة التي شهدت أعنف مراحل الحرب السورية، وانتهت بسقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.

استمر التعذيب الممنهج والقتل على نطاق واسع رغم الضجة العالمية التي أحدثها تسريب قيصر قبل أكثر من عقد

وتُعد هذه المجموعة -حسب الصحيفة- أضخم وأكثر تفصيلا من "ملفات قيصر" الشهيرة التي سُرّبت عام 2014.

اقرأ أيضا list of 2 itemsend of list

وتشمل المجموعة الجديدة أكثر من 30 ألف صورة مفصلة لجثث معتقلين، التُقط العديد منها من زوايا متعددة، ووُثّقت بدقة شديدة في سجلات الشرطة العسكرية بدمشق.

وتُعتبر ملفات قيصر من أهم الوثائق التي كشفت فظائع النظام السوري وانتهاكاته الممنهجة لحقوق الإنسان، حيث وثق عشرات الآلاف من صور ضحايا التعذيب في سجون النظام.

عشرات الجثث التي يُعتقد أنها لمعتقلين من سجن صيدنايا عُثر عليها في مشفى بدمشق (الفرنسية)
إفلات من العقاب

وقد حصلت هيئة الإذاعة العامة الألمانية (إن دي آر) على هذا الأرشيف الهائل، وشاركته مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وعدد من المؤسسات الإعلامية، بينها صحيفة واشنطن بوست.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن تلك الهيئة أن ضابطا برتبة عقيد كان يترأس وحدة حفظ الأدلة في الشرطة العسكرية السورية هو من سرَّب هذه الصور ومررها عبر وسطاء، مشترطا عدم الكشف عن هويته.

تأثير الصور النهائي يتوقف على مدى استعداد سوريا والمجتمع الدولي للتحقيق والمحاسبة وتخليد ذكرى عشرات الآلاف الذين ابتلعهم نظام الاعتقال التابع للأسد

 وتُظهر الصور أن جهاز الأمن التابع لبشار الأسد استمر في التعذيب الممنهج والقتل على نطاق واسع، رغم الضجة العالمية التي أحدثها تسريب قيصر قبل أكثر من عقد.

وقد ساهمت تلك الصور السابقة في إدانة مسؤولين سوريين بألمانيا، وفي فرض عقوبات أميركية جديدة على النظام.

الناشطة السورية ياسمين المشعان تحمل صور ضحايا النظام خلال محاكمة ضباط سوريين في ألمانيا (الفرنسية)

لكن المجموعة الحالية -تتابع الصحيفة- تؤكد أن الأجهزة الأمنية شعرت بأنها بمنأى عن الحساب، فواصلت اعتقال المعارضين والمشتبه بهم بشكل عشوائي، وتعذيبهم وتجويعهم وقتلهم، ثم توثيق موتهم بوضوح شديد ضمن إجراءات روتينية تهدف لمنح الوفيات شرعية قضائية عبر المؤسسة العسكرية.

تفاصيل الضحايا

وتوضح الصور أن الغالبية الساحقة من الضحايا رجال، إلى جانب عدة نساء ورضيع واحد توفي عام 2017، وتكشف الجثث عن آثار واضحة للتعذيب من جروح عميقة وكسور وحروق ونحول شديد.

إعلان

وتبيِّن أن بعض الجثث مكدّسة فوق أرضيات شاحنات معدنية، بينما كُتب على بطون بعض الضحايا أسماؤهم بخط أخضر اللون، وبقي آخرون مجهولي الهوية.

كما تكشف الصور عن أقدام مصوّرين أو موظفين طبيين أو عناصر أمن، مما يعكس الطابع شبه الكامل لعملية التوثيق.

ومن بين الضحايا الذين تم التعرف عليهم في المجموعة الجديدة مطلق، الذي بحثت عائلته عنه نحو 10 سنوات بعد اعتقاله عام 2015، وقد كشفت صورته -وعليها آثار تعذيب واضحة واسمه مكتوب على بطنه- أنه توفي بعد أشهر قليلة فقط من اعتقاله.

من معرض أقيم في 2015 بمقر الأمم المتحدة في نيويورك لضحايا التعذيب على يد نظام دمشق (غيتي)

أما عبد الرحمن صفاف، وهو طالب دراسات عليا يبلغ 30 عاما، فيجسد الطبيعة الاعتباطية للاعتقال، طبقا للتقرير الصحفي، فقد أُخذ من منزله بحماة في يونيو/حزيران 2024 من دون توجيه تهمة، رغم أنه كان يستعد للزواج بعد أسابيع قليلة.

وبعد شهرين، استلمت عائلته جثته، وأُبلغت فقط بأن قلبه توقف عن النبض وانقطع نفسه. لكن الصور كشفت عن جروح حادة في معصميه تشير إلى احتمال تعرضه لطريقة شائعة للتعذيب معروفة في ملفات المخابرات السورية باسم "التعليق على الفلقة" أو الشبكة.

أقسى من "قيصر"

ويقول المحامي السوري أنور البني، الذي قضى سنوات في سجون الأسد وتلقى مركزه الحقوقي نسخة من الصور، إن المجموعة الجديدة تُظهر تعذيبا أقسى من ملفات قيصر الأولى.

من غير الواضح ما إذا كانت النيابة السورية أو ذوو المفقودين سيتمكنون من الاطلاع الكامل على الأرشيف

ويبدو أن الفترة بين 2015 و2017 سجّلت العدد الأكبر من الوفيات، بالتزامن مع تصاعد العنف وتدخل روسيا العسكري. أما عام 2024، فتشمل أرشيفاته نحو 100 صورة فقط، مما يعكس ضعف النظام وانحسار دعم حلفائه.

غادة العبار والدة الناشط غياث مطر الذي اختطفته قوات الأمن في 6 سبتمبر/أيلول 2011 وأُعيد جثمانه بعد 4 أيام (غيتي)

ورغم سقوط الأسد وتحرير السجون على يد فصائل معارضة، فإن مسار المحاسبة -طبقا لتقرير واشنطن بوست- لا يزال عسيرا، فقد أُحرقت أو نُهبت ملفات وأرشيفات أمنية خلال الأيام الأخيرة من حكمه.

وأوضح الضابط الذي سرّب الصور أنه أخذ القرص الصلب من مقر الشرطة العسكرية، دون أن يحدد ما إذا كان سيسلمه للحكومة السورية الجديدة.

كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت النيابة السورية أو ذوو المفقودين سيتمكنون من الاطلاع الكامل على الأرشيف، رغم أن أجزاء منه قد وُجهت إلى منظمات سورية، وإلى هيئة الأمم المتحدة المعنية بالمفقودين، وإلى النيابة الفدرالية الألمانية.

عائلات ترثي أحبتها

وبالنسبة لكثير من السوريين، تمثل هذه الصور مزيجا من اليقين والمأساة، فقد أمضت عائلات مثل عائلة مطلق وصفاف سنوات في البحث داخل الإدارات وسط دوامة الرشوة والخوف وعدم اليقين، وأُجبر بعضها على توقيع تعهدات بعدم الاحتجاج أو الثأر، على حد تعبير الصحيفة.

ابتسام النداف داخل زنزانة في سجن صيدنايا تأمل في أي إشارة تدل على ابنها المفقود (رويترز)

والآن، تقدم الصور دليلا دامغا على ما جرى، لكنها أيضا تشكّل قاعدة أساسية لأي مسار قضائي مستقبلي إذا ما سعت سوريا إلى عدالة انتقالية حقيقية.

وترى منظمات حقوقية أن المجموعة تمثل إحدى أهم الوثائق البصرية لجرائم القتل الجماعي التي ارتكبتها دولة في القرن الحالي، وأن تأثيرها النهائي يتوقف على مدى استعداد سوريا والمجتمع الدولي للتحقيق، والمحاسبة، وتخليد ذكرى عشرات الآلاف الذين ابتلعهم نظام الاعتقال التابع للأسد.

إعلان



إقرأ المزيد