الجزيرة.نت - 12/21/2025 11:04:10 PM - GMT (+3 )
Published On 21/12/2025
|آخر تحديث: 22:39 (توقيت مكة)
شارِكْ
لم يأت قرار الحكومة الإسرائيلية شرعنة بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية بوصفه خطوة إدارية معزولة، بل كجزء من مسار متسارع لإعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية على نحو يسعى إلى حسم الصراع ميدانيا، قبل أن تفرض الديمغرافيا معادلاتها على أي تسوية مستقبلية.
فالاستيطان، وفق ما تكشفه الوقائع المتراكمة، لم يعد أداة ضغط تفاوضي أو ورقة مساومة سياسية، بل تحول إلى إستراتيجية شاملة تهدف إلى تقويض فكرة الدولة الفلسطينية عمليا، عبر تفتيت الأرض وتقطيع أوصالها وإغراقها بشبكة مستوطنات وبؤر تجعل الكيان الفلسطيني المفترض بلا سيادة أو تواصل جغرافي.
هذا التحول شكل جوهر نقاش حلقة الأحد (21-12-2025) من برنامج "ما وراء الخبر"، حيث بدا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تدير الصراع بقدر ما تسعى إلى حسمه جغرافيا، مستفيدة من غطاء سياسي داخلي يميني وصمت دولي يراوح بين العجز والتواطؤ.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور غسان الخطيب أن التسارع الاستيطاني الأخير ليس عشوائيا، بل يرتبط بسعي إسرائيلي واضح لوضع حد نهائي لإمكانية قيام دولة فلسطينية، مشيرا إلى أن الإجماع الوحيد داخل الحكومة الإسرائيلية هو العداء الصريح لهذا الخيار.
غير أن هذا المسار، كما يوضح الخطيب، يحمل في طياته مفارقة إستراتيجية خطيرة على إسرائيل نفسها، إذ إن إجهاض حل الدولتين لا يقود إلى استقرار، بل يفتح الباب أمام واقع دولة واحدة بنظام فصل عنصري، تحكم فيها أقلية يهودية أغلبية فلسطينية، وهو سيناريو يصعب تسويقه دوليا على المدى البعيد.
فرض الوقائع أولامن جهته، يلفت الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي إلى أن إسرائيل تعمل وفق منطق قديم متجدد يقوم على فرض الوقائع أولا، ثم البحث لاحقا عن الأطر القانونية والسياسية لتسويغها، معتبرا أن شرعنة البؤر الاستيطانية ليست سوى مرحلة متقدمة في هذا النهج.
إعلان
ويشير مكي إلى أن خطورة المرحلة الراهنة لا تكمن فقط في عدد المستوطنات الجديدة، بل في وتيرة التسارع غير المسبوقة، حيث جرى خلال 3 سنوات إنشاء ما يقارب ثلث المستوطنات القائمة منذ عام 1967، مما يعكس انتقال الاستيطان من سياسة تدريجية إلى سباق مفتوح مع الزمن.
هذا التسارع، بحسب القراءة التحليلية، لا يستهدف إعلان ضم رسمي للضفة الغربية بقدر ما يسعى إلى تحقيقه فعليا على الأرض دون كلفته السياسية، خصوصا في ظل التحفظات الأميركية المعلنة على خطوة الضم المباشر، وهو ما يفسر التركيز على الضم الزاحف بدل القرار السيادي الصريح.
في المقابل، يبرز العامل الديمغرافي الفلسطيني كحائط الصد الأبرز أمام هذا المشروع، وهو ما شدد عليه الدكتور غسان الخطيب، معتبرا أن الوجود السكاني الفلسطيني الكثيف وتمسكه بالأرض يفرضان قيودا حقيقية على قدرة إسرائيل على تحويل الضفة إلى مجال حيوي خالص لها.
فالضم الكامل، كما يوضح الخطيب، لا يصطدم فقط بالقانون الدولي، بل يضع إسرائيل أمام معضلة داخلية تتعلق بطبيعة الدولة وهويتها، ويهدد بنقلها رسميا من دولة تدعي الديمقراطية إلى كيان فصل عنصري، وهو توصيف بات حاضرا بقوة في تقارير مؤسسات حقوقية دولية.
موقف أوروبي ضعيفمن زاوية دولية، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بباريس الدكتور زياد ماجد أن المواقف الأوروبية الرافضة للاستيطان ما تزال محصورة في دائرة الاستنكار اللفظي، دون ترجمتها إلى أدوات ضغط حقيقية، مثل العقوبات الاقتصادية أو تعليق الشراكات البحثية والتجارية مع إسرائيل.
ويشير ماجد إلى أن هذا التردد الأوروبي يمنح إسرائيل هامشا واسعا لمواصلة تغيير الواقع على الأرض، خصوصا في مناطق إستراتيجية من الضفة، حيث يترافق الاستيطان مع عمليات تهجير صامتة وتضييق معيشي يهدف إلى تعديل الخريطة السكانية دون ضجيج سياسي.
وخلصت نقاشات المحللين إلى أن معركة الضفة تبدو كمعركة زمن بقدر ما هي معركة أرض، حيث تراهن إسرائيل على إنهاك الفلسطينيين ودفعهم إلى التكيف القسري مع واقع مجزأ، في حين يراهن الفلسطينيون على الصمود كوسيلة وحيدة لتعطيل الحسم الإسرائيلي.
ويرى المحللون أن الرهان الإسرائيلي على قتل الجغرافيا قد يصطدم في النهاية بعجز بنيوي عن قتل الديمغرافيا، وهو ما يجعل مشروع الحسم الجغرافي محفوفا بتداعيات سياسية وأخلاقية قد تنفجر لاحقا في وجه صانعيه.
في المحصلة، لا تبدو شرعنة البؤر الاستيطانية مجرد توسع عمراني، بل جزءا من محاولة إسرائيلية منظمة لفرض حل أحادي الجانب ينهي عمليا فكرة الدولة الفلسطينية، ويعيد تعريف الصراع بوصفه صراع حقوق داخل كيان واحد لا نزاع حدود بين دولتين.
إقرأ المزيد


