جريدة الرياض - 11/7/2025 12:56:17 AM - GMT (+3 )
مدّدت الفضة خسائرها للجلسة الثالثة على التوالي، لتتراجع دون مستوى 48 دولاراً للأوقية، مع استمرار المتداولين في تصفية مراكزهم بعد موجة الصعود الأخيرة. وقال سامر حسن، محلل أسواق أول في إكس اس دوت كوم، ورغم هذا التراجع الأخير، يبدو أن هبوط الفضة تصحيحي ضمن هيكل صاعد أوسع.
ويتزامن هذا التحرك مع ارتفاع طفيف في عوائد سندات الخزانة، ما زال محصوراً ضمن اتجاه هبوطي أوسع، مما يشير إلى أن الحركة الحالية دورية لا هيكلية. كما تعزز عوامل عدة النظرة الإيجابية طويلة الأجل، من بينها الطلب الصناعي القوي، واستمرار تدفقات الملاذ الآمن، والظروف النقدية الداعمة، إلى جانب تحوّل المستهلكين نحو الفضة بديلاً عن المجوهرات الذهبية مرتفعة الثمن.
ووفقاً لتقرير معهد الفضة الصادر في أكتوبر، فإن المسار الإيجابي للسوق ما يزال مدعوماً بتلاقي نادر بين الطلب المالي، والقيود على جانب العرض، والابتكار التكنولوجي. ويأتي أحد أقوى أعمدة الدعم من الطلب الاستثماري عبر المنتجات المتداولة في البورصات، إذ تم تخصيص أكثر من 95 مليون أونصة من الفضة لهذه المنتجات بحلول منتصف العام، متجاوزة بالفعل إجمالي عام 2024، ما يعكس قناعة قوية لدى المستثمرين الباحثين عن أدوات تحوّط لمحافظهم وسط استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي.
كما تُعزّز العجوزات الهيكلية في الإمدادات الحجة الصعودية للسوق. فالفضة تدخل الآن عامها الخامس على التوالي من العجز، حيث يتجاوز الطلب العالمي إنتاج المناجم بشكل مستمر. ويشير المعهد إلى أن الطلب الصناعي، وخصوصاً في قطاعات الإلكترونيات والطاقة المتجددة، يبقى المحرك الرئيس لهذا الخلل. وتُضيف هذه النواقص ضغطاً تصاعدياً مستمراً على الأسعار، ما يمهّد الطريق أمام احتمالات تعافي الأسعار بمجرد انحسار التصحيحات المضاربية.
ويزداد الدور الاستراتيجي للفضة مع توسّع تطبيقاتها الصناعية والتكنولوجية. فدورها الحيوي في الإلكترونيات والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية يضمن قاعدة استهلاك متينة تتجاوز الدورات الاستثمارية المضاربية التي تشهدها أصول مثل الذهب أو العملات المشفرة أحياناً.
كما تسلّط الأبحاث الحديثة الضوء على ابتكارات جديدة تشمل مواد قائمة على جسيمات الفضة النانوية لتحسين تخزين الطاقة، وتقنية "الطباعة النانوية الفضية" التي طورتها وكالة ناسا للتصنيع في انعدام الجاذبية، واستخدام أغشية الفضة النانوية في تنقية البيئة وتقنيات التصوير. هذه الابتكارات توسّع من القيمة الاستراتيجية للفضة على المدى الطويل في مجالات تمتد من تكنولوجيا الفضاء إلى الطاقة الخضراء.
والعوامل الكلية الاقتصادية تدعم هي الأخرى جاذبية الفضة الاستثمارية. فمع تراجع توقعات التضخم واستمرار انخفاض العوائد الحقيقية للسندات، تستعيد الأصول غير المدرة للعائد مثل الفضة جاذبيتها. وما زالت الأسواق تتوقع خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر، باحتمال يتجاوز 60 %، رغم النبرة الأكثر تشدداً التي عبّر عنها رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع الماضي.
وتُسهم هذه التوقعات، إلى جانب استمرار اختناقات التسليم بين لندن ونيويورك ومرونة الطلب في الهند، في خفض تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك الفضة. وتبقى قصة الملاذ الآمن ركناً أساسياً آخر في دعم المعدن الأبيض. فمع بلوغ أسعار الذهب مستويات قياسية غير مسبوقة، ابتعد العديد من المستثمرين الأفراد عنه، لتجذب الفضة أولئك الباحثين عن ملاذ آمن أقل تكلفة في ظل حالة عدم اليقين العالمي.
وقد تعززت جاذبية الفضة هذا العام بوصفها "ذهب الفقراء"، ما ضاعف من دورها كأصل وقائي واستثماري في آن واحد. وفي المقابل، لا يزال الطلب على المجوهرات الذهبية ضعيفاً، إذ بقي الاستهلاك أقل بنسبة 19 % على أساس سنوي رغم ارتفاعه بنسبة 9 % على أساس ربع سنوي، وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي للربع الثالث، مما يشير إلى أن الفضة قد تكتسب زخماً إضافياً كخيار فاخر بديل.
كما تُسهم العوامل السياسية والاقتصادية الواسعة في الحفاظ على الطلب على أصول الملاذ الآمن. فإغلاق الحكومة الأمريكية المستمر منذ 34 يوماً بدأ يؤثر سلباً في ثقة المستهلكين، بينما لا تزال النزاعات الجمركية دون حلّ، مما يضفي مزيداً من الغموض على المشهد الاقتصادي.
وبصورة عامة، يعكس تراجع الفضة الأخير دون مستوى 48 دولاراً تصحيحاً فنياً أكثر منه انعكاساً في الاتجاه. فالعوامل الأساسية القوية، واستمرار قيود العرض، وتسارع وتيرة التبني التكنولوجي، كلها ما تزال تدعم آفاقها طويلة الأجل. وفي ظل بيئة كلية تتسم بعدم اليقين وتقلّب توقعات أسعار الفائدة، تبدو الفضة في موقع فريد للاستفادة من مزيج من النفور من المخاطرة والتحوّل العالمي المستمر نحو اقتصاد تكنولوجي منخفض الكربون.
إقرأ المزيد


