القمة السعودية - الأميركية ترسخ شراكة اقتصادية مستدامة
جريدة الرياض -

أعاد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التأكيد على العمق الاستراتيجي الذي يربط المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن العلاقات بين البلدين تعود إلى عقود طويلة منذ عهد الملك المؤسّس عبدالعزيز – رحمه الله – والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وما تبع ذلك من مسارات تعاون أثمرت واحدة من أهم الشراكات السياسية والاقتصادية في العالم. وأكد سموه أن التناغم بين الرياض وواشنطن اليوم أكبر من أي وقت مضى، وأن الفرص المتاحة أمام البلدين “ضخمة”، خصوصًا في ظل التغيّرات الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، والتوجّه السعودي نحو بناء اقتصاد متنوع قائم على الاستثمارات النوعية والتحول التقني. قمة استراتيجية ترسم ملامح مرحلة اقتصادية جديدة وعقب تصريحات سمو ولي العهد، عُقدت القمة السعودية – الأمريكية برئاسته – حفظه الله – وبمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث تناول الجانبان تطوير مستوى الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات، والتنسيق حول الملفات الإقليمية والدولية، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، إلى جانب بحث فرص النمو الاقتصادي المشتركة.

القمة لم تكن مجرد اجتماع سياسي، بل محطة مفصلية في مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ أسفرت عن حزمة واسعة من الاتفاقيات والمذكرات التي تؤسس لمرحلة اقتصادية أعمق وأكثر تكاملاً بين أكبر اقتصادين في المنطقة والعالم.

المملكة.. مخزون جيولوجي ضخم يقود اقتصاد المعادن العالمي

اتفاقيات اقتصادية تعيد صياغة مسارات الاستثمار والتقنية

  1. شراكة استراتيجية في الذكاء الاصطناعي وتمثل هذه الاتفاقية حجر الأساس لعصر جديد من التعاون التقني، حيث ستستفيد المملكة من القدرات الأمريكية في تطوير النماذج المتقدمة للذكاء الاصطناعي، بينما تقدم الرياض أحد أكبر أسواق البيانات والطاقة والطلب على التطبيقات الصناعية والتجارية للذكاء الاصطناعي. وتنسجم هذه الخطوة مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 الرامية لتحويل المملكة إلى مركز عالمي للابتكار والتحول الرقمي.

  2. تعاون متقدّم في الطاقة النووية المدنية، حيث اتفق الجانبان على استكمال المفاوضات حول مشروع للتعاون في الطاقة النووية السلمية، ما يعزّز خطط المملكة لإدخال الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة الوطني، ويفتح المجال أمام نقل تقنيات نوعية، وخلق صناعات جديدة، وبناء قدرات بشرية وطنية في واحد من أهم القطاعات المستقبلية.

    1. شراكة في سلاسل الإمداد للمعادن الاستراتيجية، حيث تأتي موافقة البلدين على إطار للتعاون في تأمين سلاسل الإمداد الخاصة باليورانيوم والمعادن الحرجة والمغانط الدائمة، في وقت ترتفع فيه أهمية "اقتصاد المعادن" عالميًا. وتشكّل المملكة اليوم أحد أكبر المخازن الجيولوجية لهذه المعادن، بينما تمتلك الولايات المتحدة التقنيات المتقدمة لتصنيعها، ما يجعل التعاون بين الطرفين فرصة استراتيجية لإعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية.
  3. تسريع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة من خلال الاتفاقية الخاصة بتسهيل وتسريع الاستثمارات السعودية تمثل مؤشرًا مهمًا على رغبة المملكة في تعزيز حضورها في الاقتصاد الأمريكي، عبر استثمارات نوعية في قطاعات الطاقة، والتقنية، والصناعة، والبنية التحتية، والابتكار. وتهدف الاتفاقية إلى إزالة العوائق، وتقصير المدة اللازمة لتأسيس الشركات والتحالفات، وتحقيق أعلى مكاسب اقتصادية للطرفين.

    1. ترتيبات مالية واقتصادية من أجل الازدهار، حيث تسعى هذه الترتيبات إلى خلق منظومة مالية مشتركة تعزز التدفقات الاستثمارية وتزيد من ابتكار أدوات تمويلية جديدة تخدم المشاريع الكبرى في البلدين، خاصة في مجالات التحول الأخضر والطاقة المتجددة والتقنيات المتقدمة.

    2. التعاون في قطاع هيئات الأسواق المالية من خلال التعاون وتبادل الخبرات وتطوير التشريعات وتعزيز الرقابة على الأسواق المالية، الأمر الذي يرفع مستويات الشفافية، ويمهّد لتحرك رؤوس الأموال بسهولة أكبر بين البلدين.

  4. مذكرة تفاهم في التعليم والتدريب وتأتي هذه الخطوة ضمن تطوير رأس المال البشري السعودي، وإتاحة برامج أكاديمية وتدريبية مشتركة، مع التركيز على العلوم والهندسة والتقنية والذكاء الاصطناعي. وتنسجم مع مستهدفات المملكة لزيادة نسبة الكفاءات الوطنية القادرة على قيادة اقتصاد المستقبل.

    1. تعزيز معايير سلامة المركبات من خلال رسائل متبادلة بين الجانبين، سيتم العمل على تطوير معايير السلامة في قطاع المركبات، بما يعكس التزام المملكة برفع جودة الصناعة، وتطوير بنية تحتية متقدمة للنقل والصناعات الثقيلة.

المملكة تتجه لاقتصاد قائم على الاستثمارات النوعية والتحول التقني

ملتق ى اقتصادي بمشاركة 400 شخصية قيادية

وفي إطار الزيارة، استضاف مجلس الأعمال السعودي – الأمريكي لقاءً موسعًا حضره أكثر من 400 شخصية من القيادات التنفيذية في الشركات الكبرى، وممثلي الجهات الحكومية، ورواد الأعمال من البلدين. يعكس هذا الحضور اللافت حجم الاهتمام الأمريكي بالزخم الاقتصادي الذي تشهده المملكة، وفرص الاستثمار التي تولدها مشاريعها الضخمة مثل نيوم، والبحر الأحمر، وروشن، وصناعات المعادن، والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. وشكّل الملتقى منصة ديناميكية لبحث الفرص الاستثمارية في القطاعات الحيوية، بما في ذلك الصناعة، والتقنية، والنقل، والهيدروجين، والخدمات اللوجستية، والتعدين، والطاقة النظيفة، وهي القطاعات التي تُشكّل عماد التحولات الاقتصادية الجديدة في المملكة. قطاع خاص يتقدم الصفوف في الشراكة بين الرياض وواشنطن أبرز اللقاء توجهًا واضحًا نحو تمكين القطاع الخاص وزيادة مشاركته في صياغة مستقبل الاقتصاد السعودي – الأمريكي. وقد ناقش الحضور آليات تطوير الشراكات القائمة، وبناء مشاريع مشتركة، وتسهيل التمويل، وتوسيع نطاق الصناعات ذات القيمة المضافة. وأكدت الكلمات التي ألقيت خلال اللقاء أن زيارة سمو ولي العهد للولايات المتحدة تمثل نقطة ارتكاز تُعيد تنشيط العلاقات الاقتصادية، وتمهّد لموجة جديدة من التعاون القائم على الابتكار والاستثمار في مستقبل الاقتصاد العالمي. شراكة تزداد قوة مع تسارع التحولات العالمية تأتي الزيارة في لحظة تشهد فيها المنطقة والعالم تغييرات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية، وتناميًا للدور السعودي على مستوى الطاقة، وسلاسل الإمداد، والاستثمار، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر. وتمثل الولايات المتحدة شريكًا أساسيًا في هذه التحولات، وهو ما تؤكده الاتفاقيات الأخيرة التي أعادت تشكيل مسارات التعاون بين البلدين.

إن هذه الشراكة – التي تمتد لأكثر من ثمانية عقود – تدخل اليوم مرحلة أعمق وأكثر حيوية، حيث تتحول من علاقة تقليدية إلى علاقة تقوم على الاستثمار المشترك في المستقبل، وعلى بناء اقتصاد عالمي أكثر استقرارًا وتنوعًا.

وتُعد زيارة سمو ولي العهد إلى الولايات المتحدة حدثًا محوريًا في مسار العلاقات الثنائية، ليس فقط على المستوى السياسي، بل على مستوى إعادة بناء منظومة اقتصادية وتقنية ضخمة بين البلدين. فالاتفاقيات التي وُقّعت تشكل قاعدة صلبة لمرحلة تنموية جديدة، فيما تفتح القمة الباب أمام موجة واسعة من الاستثمارات المشتركة، وتؤكد الدور المتصاعد للمملكة كلاعب رئيس في الاقتصاد العالمي.



إقرأ المزيد