جريدة الراي - 11/27/2025 10:01:20 PM - GMT (+3 )
- الاندفاع الأعمى نحو الرهون العقارية الخطرة قضى على البنك
- المسؤول الأكبر كان متمسكاً بالاعتقاد بأن ليمان «كبير جداً ليفشل»
- قائده صعد من متدرب يحمل القهوة عام 1969 إلى الرئيس التنفيذي
- صعود السهم من 4 إلى 86 دولاراً كان مدعوماً بـ«قنبلة موقوتة»... المديونية المفرطة
- «ليمان بروذرز» نجا من الحرب الأهلية والكساد الكبير والحربين العالميتين وسقط ضحية لقيادة متغطرسة
في صمت مطبق خيّم على الطابق الـ31 من مقر «ليمان بروذرز» في مانهاتن بنيويورك، وتحديداً 15 سبتمبر 2008، 1:45 صباحاً، حيث أُعلنت نهاية حقبة دامت 158 عاماً. بعد فشل المفاوضات مع بنك باركليز، وبنك أوف أميركا، أصبح رابع أكبر بنك استثماري أميركي رسمياً أكبر إفلاس في التاريخ.
وحسب تقارير منشورة في «وول ستريت جورنال» و»نيويورك تايمز» و»فايننشال تايمز» و»بلومبرغ» في عامي 2007 و2008، خرج 26 ألف موظف من المبنى يحملون ممتلكاتهم وصور عائلاتهم في كراتين كرتونية بيضاء، مشهد أيقوني خُلّد كرمز للغرور المؤسسي الذي هزّ العالم، وتبخّرت أصول بقيمة 691 مليار دولار مقابل ديون بلغت 613 ملياراً. البنك الذي نجا من الحرب الأهلية والكساد الكبير والحربين العالميتين سقط ضحيةً لرهان خاسر وقيادة متغطرسة.
من تجارة القطن إلى فخ المديونية
وتأسّس «ليمان بروذرز» عام 1850 في ألاباما على يد 3 أشقاء مهاجرين كتجار قطن. وبحلول القرن 21، تحوّل إلى أحد أعرق بنوك الاستثمار، وبحلول 2007 كان مرادفاً للقوة والنفوذ. وقاد هذه المسيرة الصعودية لـ14 عاماً رجل واحد هو ريتشارد سيفيرين فولد جونيور، الذي لُقّب في وول ستريت بـ «الغوريلا المتوحشة».
وصعد فولد من متدرب يحمل القهوة عام 1969 إلى الرئيس التنفيذي عام 1994. وتحت قيادته، ارتفع سعر سهم البنك من 4 دولارات إلى 86 دولاراً في ذروة 2007، محققاً له تعويضات شخصية تجاوزت نصف مليار دولار بين عامي 2000 و2008. لكن هذا الصعود كان مدعوماً بـ«قنبلة موقوتة»: المديونية المفرطة.
الغرور المؤسسي
وكان السبب المباشر لكارثة «ليمان» الاندفاع الأعمى نحو الرهون العقارية عالية المخاطر (Subprime). فلقد راهن البنك بكل ثقله على سندات الرهن العقاري (MBS) ومنتجات «CDO» المعقدة. ووصلت نسبة المديونية (Leverage) إلى 31 ضعف رأس المال، أي أن كل دولار يملكه البنك كان مدعوماً بـ31 دولاراً مستدانة. عندما انفجرت فقاعة العقارات في 2007، تبخّرت عشرات المليارات في أشهر قليلة.
وفي الأشهر الأخيرة، أظهر فولد «الغرور المؤسسي» القاتل، حيث رفض عروض الإنقاذ، ورفض كل العروض التي كانت ستنقذ البنك بثمن بخس، متمسكاً بالاعتقاد بأن «ليمان» كبير جداً ليفشل، (Too Big to Fail).
وفي آخر مكالمة له مع وزير الخزانة هنري بولسون يوم الإفلاس، توسّل إليه أن ينقذه، لكن الأوان كان قد فات.
لماذا تُرك ليموت؟
وعلى عكس بنك «بير ستيرنز» الذي أُنقذ في مارس 2008، قرّر وزير الخزانة ورئيس الفيدرالي بن برنانكي إعطاء درس قاسٍ للسوق عبر ترك «ليمان» يفشل. وكان الهدف ترويض ثقافة المخاطرة المجنونة في «وول ستريت». المفارقة التاريخية أن الحكومة اضطرت بعد أسبوع واحد فقط لضخ 180 مليار دولار لإنقاذ شركة التأمين «إيه آي جي»، خوفاً من انهيار النظام المالي العالمي بأكمله، ما أثبت أن درس عدم الإنقاذ جاء متأخراً وبثمن باهظ.
هل تعلمنا الدرس؟
اليوم، اختفى اسم «ليمان بروذرز» من الجادة السابعة، وحلّ محله شعار بنك آخر. أما فولد، فنجا بثروته الشخصية التي تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات، وظلّ يرفض الاعتذار الكامل.
وفي جلسة استماع بالكونغرس عام 2008، قال جملته الخالدة: «أستيقظ كل ليلة وأسأل نفسي: ماذا كان بإمكاني فعله بشكل مختلف؟».
الدروس المستفادة
تترك كارثة «ليمان بروذرز» 5 دروس رئيسية:
1 - لا أحد كبير جداً ليفشل.
2 - المديونية المفرطة سلاح يدمر الكيان في الهبوط.
3 - الغرور المؤسسي أخطر من المنافسة.
4 - المنتج المالي المعقّد الذي لا يفهمه أحد هو قنبلة موقوتة.
5 - ثقافة المكافآت قصيرة الأجل تدفع إلى المخاطرة المجنونة.
وبعد 17 عاماً، ومع الارتفاعات الجنونية في أسعار الأصول وزيادة المديونية العالمية، يتردد همس خافت في قاعات «وول ستريت»: «هل نعيد كتابة قصة «ليمان بروذرز» مرة أخرى؟» الجواب، كما قال فولد، لايزال معلقاً في الهواء.
إقرأ المزيد


