زيارة ولي العهد.. شراكة تصنع المستقبل
جريدة الرياض -

جاءت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى الولايات المتحدة لتشكل محطة مفصلية تعيد تعريف معادلة المصالح الاقتصادية بين البلدين، وتفتح فصلاً جديداً من التعاون القائم على التقنية المتقدمة والاقتصادات النظيفة والفضاء والدفاع. ففي عالم تتغير فيه موازين القوة من خلال الابتكار، بدت الزيارة وكأنها تعيد ضبط البوصلة نحو اقتصاد يقوم على المعرفة، ويستند إلى شراكات نوعية وتدفقات استثمارية واسعة. وتأتي الزيارة في لحظة يشهد فيها التعاون السعودي-الأميركي نمواً متسارعاً، إذ ارتفع عدد الشركات الأميركية العاملة في المملكة إلى 1.3 ألف شركة، فيما بلغ حجم التبادل التجاري 1.34 تريليون ريال خلال عشر سنوات، وهو رقم يعكس فلسفة اقتصاد يتحرك بثقة نحو آفاق أوسع من التكامل والتنافسية العالمية.

شراكة اقتصادية تتجدد تستند إلى قوة التحول

يرى نيل بوش، رئيس شركة «سكاي تاور» لتكنولوجيا الاقتصاد الأخضر، أن الزيارة تحمل بعداً يتجاوز الملفات التقليدية، كونها تعيد صياغة مستقبل التعاون في قطاعات تشكل اقتصاد العالم الجديد. وقال: «كلما اجتمع قادة البلدين، تتعزز الثقة ويتجدد الالتزام المشترك بصناعة مستقبل يقوم على الابتكار والاستدامة. ويدرك الطرفان أن التقدم في الطاقة والاقتصاد المتنوع والتقنية يحتاج إلى حوار مباشر واستراتيجية طويلة الأمد». وأشار بوش إلى أن العلاقة بين البلدين تطورت خلال العقد الماضي من تعاون يتركز على الطاقة والأمن إلى شراكات تشمل الاستثمار، والتعليم، والتقنية، والتبادل الثقافي، وهو تحوّل يعكس فلسفة العمل المتقدم التي تنتهجها المملكة في ظل رؤية 2030.

1.3 ألف شركة أميركية و200 مقر إقليمي في الرياض

من جهته، أوضح رجل الأعمال السعودي عبدالله بن زيد المليحي أن الزيارة تمثل دفعة قوية لمسار الاستثمار في قطاعات تُعد ركيزة لاقتصاد المستقبل، أبرزها الهيدروجين، الذكاء الاصطناعي، التصنيع المتقدم، والفضاء والطيران. وقال: «هناك أكثر من 1.3 ألف شركة أميركية تعمل في السعودية، و200 منها نقلت مقارها الإقليمية إلى الرياض، بينما تخطط المملكة لرفع استثماراتها في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار». وبيّن أن الاستثمار الأميركي المباشر في السعودية بلغ 54 مليار دولار حتى نهاية 2023، مشيراً إلى أن توجه الشركات الأميركية نحو المملكة يعكس ثقة عالمية بمتانة السوق السعودية وإمكاناتها التنافسية. وأضاف أن السنوات المقبلة ستشهد ترجمة فعلية لاتفاقيات التعاون في مجالات NASA، والهيدروجين والأمونيا، والطاقة المتجددة والدفاع، متوقعاً أن تتراوح قيمة الاستثمارات المشتركة بين 20 و200 مليار دولار خلال الأعوام 2030–2025.

التبادل التجاري.. لغة الأرقام التي لا تخطئ

ووفق البيانات، بلغ حجم التجارة الثنائية في 2024 نحو 39.5 مليار دولار، رغم الانخفاض الطفيف عن العام السابق، بينما سجلت صادرات الولايات المتحدة إلى السعودية نمواً بنسبة 20 % في 2023. أما على مدى العقد الماضي، فقد بلغ إجمالي التبادل التجاري 1.34 تريليون ريال، ما يؤكد رسوخ العلاقة الاقتصادية وتنوعها عبر الزمن.

اتحاد الغرف السعودية: زيارة تصنع مرحلة جديدة

وأكد رئيس اتحاد الغرف السعودية حسن بن معجب الحويزي أن الزيارة تفتح آفاقاً أوسع أمام التعاون، خصوصاً في القطاعات المعتمدة على المعرفة والتقنية المتقدمة. وقال: «كون السعودية كانت أول وجهة خارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، فهذا يعكس أهمية المملكة على الخريطة الاقتصادية الدولية، لاسيما مع توسع رؤية 2030 التي وفرت فرصاً هائلة للشركاء الدوليين». وأشار الحويزي إلى أن القطاعات ذات الأولوية في الشراكة المستقبلية تشمل التقنية، الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، التعدين، الخدمات اللوجستية، الترفيه، السياحة، الرعاية الصحية، والصناعات الدفاعية. وأكد أن مجتمع الأعمال السعودي يتطلع إلى مرحلة جديدة من التعاون، تقوم على زيادة حجم الاستثمارات وتوسيع نطاق المشاريع المشتركة بين البلدين.

الاقتصاد بوصفه رؤية للمستقبل

تبدو العلاقات السعودية-الأميركية اليوم وكأنها تدخل مرحلة أكثر نضجاً، لا تقوم فقط على التجارة والاستثمار، بل على فلسفة اقتصادية ترى في الابتكار محور القوة، وفي التقنية أداة لبناء المستقبل، وفي الشراكات الواسعة طريقاً للتأثير الدولي. وبين توسع الشركات، ونمو التبادل، واتساع القطاعات المشتركة، تتحرك المملكة بثبات نحو اقتصاد عالمي جديد، تقوده رؤية 2030، ويعزز من قوته تحالف استراتيجي ممتد مع الولايات المتحدة.



إقرأ المزيد