جريدة الرياض - 12/31/2025 4:10:25 AM - GMT (+3 )
شهد السوق العقاري في مدينة الرياض خلال العام الجاري سلسلة تحولات تنظيمية بارزة شكّلت منعطفًا مهمًا في مسار القطاع، في ظل نمو اقتصادي متسارع وتوسع عمراني متواصل، وجاءت هذه التحولات استجابة للتحديات المرتبطة بارتفاع كلفة السكن وتفاوت مستويات العرض والطلب، عبر حزمة من الإجراءات التي أعادت تنظيم السوق وحددت مسارات أكثر وضوحًا للتملّك والإيجار، وفي هذا السياق، برزت منصّة التوازن العقاري كأحد أبرز التطورات، ضمن توجه يعتمد على أدوات رقمية وتنظيمية تهدف إلى تمكين المواطن، وتعزيز الاستقرار السعري داخل النطاق العمراني للعاصمة الرياض.
مسار رقمي
وتعتمد المنصّة على مسار رقمي متكامل يتيح للمواطنين المؤهلين التقدم لشراء أراضٍ سكنية داخل مدينة الرياض بسعر لا يتجاوز 1500 ريال للمتر المربع، وفق إجراءات ميسّرة ومعايير محددة، وهذا النموذج أسهم في إعادة تنظيم العلاقة بين الطلب الحقيقي على السكن والمعروض القابل للتطوير، من خلال توفير قناة رسمية شفافة تتيح الوصول إلى الأراضي دون المرور بسلسلة من الوسطاء أو التعرّض لتقلبات سعرية غير مبررة، كما أن تحديد سقف سعري واضح عزز القدرة على التخطيط المالي للأسر، وربط التملك السكني بأساسيات الدخل والتمويل بدل الارتهان لموجات المضاربة.
ديناميكية السوق العقاري
وقد انعكس هذا التوجه على ديناميكية السوق العقاري في الرياض، حيث أدى اتساع قاعدة الأراضي المتاحة للتملك إلى تخفيف الضغط على الطلب المتراكم، خصوصًا في الأحياء الواقعة ضمن النطاق العمراني، ومع تزايد وضوح الإجراءات وسهولة التقديم، اتجه جزء من الطلب الذي كان محصورًا في سوق الإيجار نحو مسار التملك، ما أسهم في إعادة توزيع الطلب بين القطاعين، وخلق حالة من التوازن التدريجي في الأسعار، كما ساعدت المنصّة على تقليص فجوات المعلومات بين أطراف السوق، من خلال إتاحة بيانات وإجراءات موحدة، وهو ما عزز مستوى الثقة والشفافية في التعاملات العقارية.
تثبيت الإيجارات
وبالتوازي مع ذلك، جاء قرار تثبيت الإيجارات في مدينة الرياض لمدة خمس سنوات ليشكل امتدادًا تنظيميًا يكمّل مسار التوازن في السوق، إذ تم إيقاف الزيادة السنوية في قيمة الإيجار للعقارات الواقعة داخل النطاق العمراني، ليشمل القرار العقود القائمة والجديدة، ما وفّر حالة من الاستقرار السكني لشريحة واسعة من الأسر والمقيمين، وهذا الاستقرار مكّن المستأجرين من إدارة التزاماتهم المالية على مدى متوسط، وساعد على تقليل المخاطر المرتبطة بتقلّب تكاليف السكن، التي تُعد من أكثر عناصر الإنفاق حساسية في ميزانيات الأفراد.
عدالة التسعير
ولتعزيز عدالة التسعير، تم اعتماد أحكام واضحة تتعلق بالوحدات العقارية الشاغرة، حيث جرى تثبيت القيمة الإيجارية وفقًا لآخر أجرة مسجلة في منصة إيجار، وهذا الإجراء عزز الانضباط في سوق الإيجار، وحدّ من الممارسات التي كانت تؤدي إلى رفع الأسعار عند إعادة طرح الوحدات دون مبررات موضوعية، كما أسهم في توحيد مرجعية التسعير، وربطها ببيانات رسمية موثقة، بما يعزز الشفافية ويحمي حقوق جميع الأطراف.
مؤشرات مرتبطة بالسكن
وانعكست هذه السياسات بشكل مباشر على المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بالسكن، حيث ساعد تثبيت الإيجارات على تخفيف الضغوط التضخمية في القطاع العقاري، وهو ما انعكس بدوره على القوة الشرائية للأفراد، ومع انخفاض وتيرة الارتفاع في تكاليف السكن، أصبح لدى الأسر هامش أوسع لتوجيه إنفاقها نحو قطاعات أخرى، ما يدعم النشاط الاقتصادي ويعزز الطلب المحلي. كما استفادت المنشآت الصغيرة والمتوسطة من هذا الاستقرار، خصوصًا تلك التي تعتمد على مقار داخل النطاق العمراني، حيث باتت قادرة على التخطيط التشغيلي دون مخاطر مفاجئة في كلفة الإيجار.
تملك غير السعوديين للعقار
وفي سياق متصل بالنمو الاقتصادي والاستثماري، جاء إطلاق النظام المحدّث لتملك غير السعوديين للعقار ليضيف بعدًا جديدًا إلى هيكلة السوق العقاري. النظام يتيح للأفراد والشركات من داخل المملكة وخارجها فرص التملّك والاستثمار ضمن أطر تنظيمية واضحة، تراعي متطلبات السوق المحلي وتنسجم مع المعايير الدولية، وهذا التحديث يعكس توجهًا يربط القطاع العقاري بالحراك الاستثماري الأوسع الذي تشهده المملكة، ويعزز من جاذبية المدن السعودية، وفي مقدمتها الرياض، كمراكز إقليمية للأعمال والسكن.
كفاءة الكوادر
ويسهم النظام في تنويع المشاريع العقارية من حيث الاستخدامات والتصاميم وجودة التنفيذ، كما يدعم نقل الخبرات ورفع كفاءة الكوادر العاملة في القطاع، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للمواطنين، ويأتي ذلك ضمن مسار يهدف إلى تحسين جودة الحياة الحضرية والعمرانية، من خلال تطوير مجمعات سكنية وتجارية متكاملة تراعي المعايير البيئية والخدمية. كما يعزز النظام ثقة المستثمرين عبر وضوح الإجراءات وحماية الحقوق، ما ينعكس إيجابًا على استقرار السوق على المدى المتوسط.
معالجة اختلالات العرض
وضمن هذه المنظومة التنظيمية، يبرز تطبيق رسوم الأراضي البيضاء والشاغرة كأداة رئيسة لمعالجة اختلالات العرض، حيث يُفرض رسم سنوي يصل إلى 10% من قيمة الأرض، وفق ضوابط محددة، على الأراضي البيضاء المملوكة للأفراد أو الكيانات الاعتبارية، مع استثناء عقارات الدولة. هذا التطبيق شجع على إعادة تقييم جدوى الاحتفاظ بالأراضي دون تطوير، ودفع باتجاه توجيهها للاستخدام السكني أو الاستثماري المنتج، كما أسهم في زيادة المعروض من الأراضي المطورة داخل المدن، ما خفف من ضغوط الأسعار، ورفع كفاءة استخدام المساحات الحضرية.
زيادة المعروض
وتكاملت آثار هذه الرسوم مع مسار منصّة التوازن العقاري، حيث أسهمت زيادة المعروض الناتجة عن تحفيز التطوير في تعزيز فعالية المنصّة، ووسّعت الخيارات المتاحة أمام المواطنين، كما ساعدت الرسوم على تقليص الممارسات التي كانت تعتمد على الاحتفاظ بالأرض انتظارًا لارتفاع السعر، واستبدالها بسلوك اقتصادي أكثر ارتباطًا بالإنتاج والقيمة المضافة، وفي الوقت ذاته، وفّرت هذه الرسوم موردًا يمكن توجيهه نحو دعم البنية التحتية والخدمات الحضرية، بما ينعكس على جودة الأحياء السكنية وتكاملها.
جاذبية الاستثمار
وعند النظر إلى هذه السياسات ضمن سياق واحد، يتضح أن السوق العقاري في الرياض يتحرك وفق إطار تنظيمي يوازن بين التمكين السكني، والاستقرار السعري، وجاذبية الاستثمار، وكفاءة استخدام الأراضي، وهذا الإطار يتقاطع مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تركز على رفع نسبة التملّك، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز تنافسية المدن السعودية. كما يعكس توجهًا يعتمد على الأدوات التنظيمية والرقمية بدل الحلول المؤقتة، مع التركيز على استدامة الأثر الاقتصادي والاجتماعي.
ويواصل السوق العقاري في الرياض التفاعل مع هذه التحولات، في ظل متابعة تنظيمية وتطوير مستمر للأدوات والسياسات، بما يضمن استجابة مرنة لمتغيرات الطلب والنمو الحضري. وفي ظل هذا المشهد، تتشكل ملامح مرحلة جديدة يتداخل فيها التنظيم، والاستثمار، والاستقرار السكني ضمن مسار واحد يعكس طبيعة التحول الاقتصادي الذي تعيشه المملكة.
إقرأ المزيد


