جريدة الراي - 4/17/2025 10:06:11 PM - GMT (+3 )

في العام الماضي، كتبتُ مادحاً التجارب المسرحية لأحمد العونان، خالد المظفر، مبارك المانع، ومحمد الحملي، الذين حافظوا على توهجهم واستمروا في إبهار الجمهور هذا العام بأعمال تحمل روحاً عالية من الحرفية والتجديد. واليوم، لا يمكن الحديث عن الصفوف الأولى في المسرح الكويتي من دون أن نضع اسم عبدالعزيز النصار بثقة واعتزاز في صميم هذا المشهد، ليس فقط كفنان أو مخرج، بل كمشروع مسرحي متكامل أخذ يتبلور ويتبلّغ في السنوات الأخيرة، حتى بات منافساً يُحسب له ألف حساب.
عبدالعزيز النصار هو أحد أهم مخرجات مسرح النجم حسن البلام، الذي لم يكتفِ بإعطائه فرصة الظهور، بل احتضن طاقته ومنحه المساحة ليبدع ويخوض مغامرة المسرح من الزوايا التي تُشبهه، وتناسب فكره وأسلوبه، عبر «قروب البلام». هذه البيئة الحاضنة كانت بمثابة التربة الخصبة التي نما فيها النصار، لكن ما يميّز رحلته هو أنه لم يكتفِ بأن يكون امتداداً لأستاذه، بل قرر أن يكون كياناً فنياً مستقلاً، يحمل رؤيته الخاصة ويغوص في أعماق النصوص ليقدّم عروضاً تنبض بالفكرة والذكاء والجرأة.
في مسرحية «عيال إبليس»، تفوّق النصار على نفسه وقدّم بياناً ناضجاً يُعلن فيه تحرّره من كل قواعد النجاح التقليدية، ليثبت أن الإصرار والتوجّه الجاد هما القاعدة الوحيدة الحقيقية. المسرحية لا تستعرض حكاية بقدر ما تضع المتفرج في مواجهة مع فكرة: هل الإنسان هو ابن بيئته أم ابن اختياره؟ وهل يمكن للخير أن ينتج من قلب الظلمة؟ في هذا العمل طرح رؤى فلسفية مغلفة بالسخرية، جاعلاً من الضحك أداةً لتفكيك البنية الاجتماعية السلبية، ومن المسرح منبراً حين أكد أن الشيطان ممكن أن يكون على هيئة إنسان.
ما يُحسب للنصار ويُسجّل له كعلامة نُضج وتميّز، هو اختياراته الدقيقة لمن يرافقونه في رحلته المسرحية، حيث آمن بالمنظومة، ووثق في كفاءة فريقه، فكان على قدر التحدي. إن الأسماء التي شاركته العمل شيماء سليمان، غادة الزدجالي، محمد الدوسري، نوف السلطان، خالد السجاري، الدكتور موسى كاظم، محمد فايق، وخالد الثويني، لم تكن مجرد ممثلين يؤدون أدواراً، بل هم شركاء في بناء الحالة، وجنود يرفعون راية المسرح الجديد الذي يريد النصار ترسيخه. وهذا الرهان على الجماعة بدلاً من الفرد، وعلى الفكرة بدلاً من النجم، هو ما يجعل مشروع عبدالعزيز النصار أكثر نضجاً مما قد يُفهم من مجرد متابعة سريعة، هو لا يبحث عن المسرح كحدث، بل كحالة، وكرسالة.
ولا يمكن الحديث عن «عيال إبليس» من دون التوقف عند القلم الذي كتب هذا النص، الكاتب أحمد العوضي، الذي قدّم عملاً يُحسب له كتحوّل فكري في الكتابة المسرحية الكوميدية. العوضي صاغ متاهة فكرية مدهشة، مزج فيها الموروث الديني بالطرح الاجتماعي، من دون أن يقع في المباشرة أو الوعظ، ومن دون أن يفقد حسّ الفكاهة أو العمق. أما المخرج جمال الشطي، فقد لعب الدور الأهم في ترجمة هذا النص إلى عرض حي، رؤيته الإخراجية كانت شريكة في صناعة المعنى، وليس فقط في تنظيم الحركة على الخشبة، اشتغل على تكوينات المشهد كما لو أنه يرسم لوحة، وأدار الممثلين بعين سينمائية تُدرك أن المسرح لا يُخاطب العيون فقط، بل الأرواح.
نهاية المطاف: هناك نجوم لا ينتظرون التصفيق... بل يفرضونه.
إقرأ المزيد