«زكي... الذكي»
جريدة الراي -

وأنا أتصفح كعادتي وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر أمامي مشهد من عمل فني قديم، مشهد بسيط، لكنه يحمل معه ضحكة صادقة، ودراما حقيقية، وقصة تلامسنا جميعاً، أعمال من زمن كانت الحكاية فيه الأهم، والمشاعر أصدق، وفي وسط هذا الحنين، ظهر وجه لا يُنسى، نجم سكن ذاكرتنا الراحل أحمد زكي، ذلك الفنان الذي لم يكن يؤدي الدور بل كان يعيش داخله.

وصفه الشاعر الكبير صلاح جاهين بالابن البار للفن، وكثير من فناني الوطن العربي اليوم، تأثروا بأدائه وتشبّهوا بتنهيدته، بحركته العفوية، بطريقة نطقه المترددة، بل وحتى بكيفية إشعال السيجارة أو إطفائها، لكنهم لم يقتربوا من جوهر مدرسته، تلك التي تؤمن أن الفن موقف لا وظيفة، وأن العمل الجيد وسيلة بقاء واستمرارية.

منذ 12 دقيقة

منذ 13 دقيقة

ما غاب عن كثير من الممثلين الشباب الذين يرون زكي قدوة، أنهم يستنسخون شكله دون فكره، فاختياراته لم تكن عشوائية، وكان يعرف أن الفن الحقيقي لا يساوم، حتى لو جاع الفنان. كان قادراً على رفض أعمال تغرقه بملايين الجنيهات، واليوم في ظل شحّ النصوص العميقة، صار التمثيل لقمة عيش، وتحولت الفرصة للأسف إلى صنم يُعبد على حساب المبدأ.

مدرسة أحمد زكي في جوهرها لا تُدرّس، والآلية ليست معقدة كما يراها البعض، تختار النص أولاً، ثم تنحت الأداء عليه، هذه المدرسة بحاجة لفنان لا يخشى أي ظرف قد يعترضه، والذين تأثروا به دون أن يحملوا فكره، هم مثل مَنْ قرأ فاتحة الكتاب ولم يؤمن بها.

بكل ذكاء...كان أحمد زكي يعرف متى يختار، ومتى ينسحب، ومتى يصمت ليقول الكثير، حريص بأن يقرأ النص بعين الناقد، ويقرأ الجمهور بقلب الفنان، كانت الشهرة تلاحقه لأنه ببساطة فهم اللعبة قبل أن تبدأ، وآمن أن البقاء للأصدق، لا للأشطر، وهذا ما جعلنا نؤمن أن «زكي... ذكي».

الحديث عن أحمد زكي اليوم، في ظل واقع فني عربي شبه سطحي ليس حنيناً رومانسياً لماضٍ جميل، بل دعوة لإعادة التفكير، هل نريد أن نُقلّده؟ أم نستلهم مواقفه؟... وهنا الفرق بين فنان يعيش بفنه، وفنان يعيش من فنه!

«نهاية المطاف»

دعوة للتأمل في الفرق بين مَنْ يُقلّد الشكل... ومَنْ يُجسّد المعنى.



إقرأ المزيد